• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الزكاة وأزمة الفقر والبطالة في العالم العربي

محمد السويسي

الزكاة وأزمة الفقر والبطالة في العالم العربي

تعتبر أزمة الفقر والبطالة في العالم العربي أزمة عاصية عن الحل من قبل الحكومات المتعاقبة بما يخالف المبادىء الأخلاقية والدينية؛ ليس لعلة في القدرات المالية ، بل لسوء إدارة البلاد لصالح الوطن والمواطنين من حيث الفهم والتخطيط.
فرغم أنّ المجتمعات العربية أضحت نسخة مقلدة للجانب السلبي من الحضارة الغربية بما فيها من مساوىء وتفسخ وانحلال مجتمعي وعائلي من حيث العادات والتقاليد في اللباس والزي والأكل والشراب وتبادل الزيارات المختلطة والتعليم، وفي اتباع نظمها المالية والإقتصادية بما فيها من ربا وغش وتدليس واستغلال، إلى حد الإنقياد الأعمى والإنبهار؛ كما قصة السامري في قوم موسى.
إلا انّ مسؤولينا، مع كل حالة الإتباع والتقليد للغرب، يتعامون ويتخاذلون عن الأخذ بالجانب الإيجابي من الحضارة الغربية، ألا وهو مكافحة الفقر والبطالة بالمعونات الإجتماعية الدائمة لمن يستحقها، التي هي في الأصل من مقومات الدين الإسلامي ومن واجبات أولي الأمر من الحكام ، بما يعرضهم للمساءلة العسيرة يوم الحساب لتعطيلهم ركن مهم من أركان الإسلام.
لقد وضع الدين الإسلامي الأسس السليمة لتأمين الأموال اللازمة لصالح فقراء المسلمين من السائلين والمحرومين وأصحاب الحاجة وفق نظام سماوي عادل متكامل ألزم به المؤمنين في قوله تعالى بسورة المعارج:
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج/24-25). وكما جاء في سورة الذاريات (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات/19).
هذا الحق وهذا الدًين على الأغنياء، الذي يجب أن يجبى من خلال أولي الأمر، أضحى بما جاء في تلك الآيات أمراً واجباً بل وفرضاً ملزماً لإرتباطه بجباية الزكاة من أموالهم التي تستوفي منها الصدقات لتوزيعها على أصحاب الحاجات وفقاً للآية الكريمة من سورة التوبة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة/60).
هذا الدًين للفقراء على الأغنياء، من مال الله، الملزمين به والمؤتمنين عليه، جعل الإسلام أمر تحصيله وتوزيعه من مهام ومسؤولية الإمام أو رئيس الدولة وفقاً لرأي الفقهاء:
"على الإمام رئيس الدولة الإشراف على جمع أموال الزكاة، تحصيلاً وإداءً، بوصفها من الأمانات الواجبة المنوطة به" . وقد جاء في القرأن الكريم (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/103).
فالزكاة ركن من أركان الإسلام الأساسية، وفريضة على كل مسلم تتوفر فيه شروطها وجب عليه إخراجها لمستحقيها. وتتفاوت نسب الزكاة في قيمها، حيث مطارحها من الثروات المالية أو الحيوانية، والزروع والثمار، والثروات المعدنية.
وكان الرسول الكريم يبعث الجباة في أرجاء الجزيرة العربية لاستيفاء الزكاة من الموسرين القاردين عليها لتوزيعها وفقاً للنص القرأني. وقد اتبع الصحابة سنة الرسول في هذا الأمر، مما يدل على أنه عمل من شأن الحاكم لرفد خزينة الدولة للنهوض بالمجتمع الإسلامي وانتشاله من الفقر والعوز والحاجة، بحيث يتساوى الناس في الكرامة والإعتزاز مع عدم الحاجة المادية بما يبعث على الإطمئنان واستقرار الذهن بعدم الإنشغال بالأمور الدنيوية المعيشية للتفرغ لعبادة الله الواحد القهار.
ولذا فإنّ تشريع الزكاة واستيفائها وتوزيعها لإجتثاث الفقر فيه إلزام للحاكم ومسؤولية كبرى أمام الله لما في هذا العمل من أهمية لتفرغ الخلق لعبادة الله بالوقوف بين يديه بذهن خال، إلا من الشكر والحمد والخشوع والتبتل. لذا كان من الضروري بذل أقصى الجهد لإنجاز استحقاق الزكاة سنوياً إتقاءً لغضب الله تعالى وتقرباً منه كسباً لرضاه.
والزكاة نوعان ظاهرة وباطنة؛ والظاهرة ماضمت من أملاك أو تجارة غير نقدية؛ أما الباطنة فهي النقد والأرباح الغير مصرح عنها. ولكن مع الوضع الحالي ومسك الدفاتر وحسابات المصارف لم يعد هناك من زكاة باطنة بل أصبحت كلها ظاهرة، شرط التدقيق والمراقبة والمحاسبة من أولي الأمر، لجباية الزكاة كما أمر الله ورسوله.
إنّ بعض الحكومات تعمل على التحصيل من الشركات فقط دون الأفراد وهذا لايستقيم مع ترك الحرية لهم في توزيع الزكاة وفق اجتهادهم ورؤياهم وحسن نياتهم التي قد تصب في غير مطارحها وأهدافها بما يشبه التحرر أو التخلص منها كدين ثقيل عليهم تقرباً من الله تعالى؛ وهم إن أخطأوا فالحاكم يتحمل كل وزر ينتج عن سوء التوزيع.
ولكن يظل هناك فريقاً كبيراً من الأغنياء يتهربون من دفع الزكاة، جزئية أو كاملة، بما يقتضي ويتطابق مع تعليمات الإسلام؛ وذنب الحاكم في هذا الإستهتار في الجباية منهم، كبير وعظيم بما يسئل عنه يوم الحساب.
لذا كان من الضروري إنفاداً لأمر الله تعالى وكسب رضاه، العمل على وضع التنظيمات الفعالة الملائمة لتحصيل الزكاة من الشركات والأفراد القادرين الذين ينطبق عليهم شروطها. وأن ترفد أو ترحل إلى صندوق خاص لدى وزراة الشوؤن الإجتماعية على ألا توزع عشوائياً، بل يجب أن تكون صدقة جارية كتعويض شهري بمثابة راتب دائم للعاطلين عن العمل، وأن يعمل على توزيعها بمفاضلة تبدأ بالأكبر سناً فالأصغر، أي من الستون عاماً وما دون، دون التفريق بين ذكور وإناث تحصيناً للمجتمع الإسلامي، من الجانب المعتم من الممارسات الحضارية الغربية التي تستهدفه في دينه وأمنه وأخلاقياته.
فالقصد من جباية الزكاة كما أمر الله تعالى هي بسط العدالة الإسلامية ومن أجل اجتثاث الفقر من المجتمع الإسلامي الذي يستغل البعض من أعداء الإسلام الحاجة لأفراد من العاطلين عن العمل لاستغلالهم في أعمال إرهابية ضد أوطانهم ودولهم تحت شعارات ودعايات مختلفة مخادعة تستغل جهلهم في أصول الدين ومقاصد الشريعة، الهدف منها زعزعة الدول الإسلامية وإعاقة نهوضها وتطورها لصالح الطامعين في ثرواتها من أعداء العرب والمسلمين.

ارسال التعليق

Top