• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الله تعالى.. ملجأ العارفين

د. ناصر بن مسفر الزّهراني

الله تعالى.. ملجأ العارفين
"إِذا حَلَّ الهمُّ، وخَيَّم الغم، واشتد الكرب، وعظم الخطب، وضاقت السبل، وبارت الحيل، نادى المنادي: يا الله.. يا الله" (لا إِله إِلا الله العظيم الحليم، لا إِله إِلا الله رب العرش العظيم، لا إِله إِلا الله ربّ السماوات وربّ الأرض وربّ العرش الكريم)، فَيُفَرَّج الهم، ويُنَفَّس الكرب، ويُذلَّل الصعب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء/ 88)، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل/ 53). "إِذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، وذبلت الأزهار وذوت الأشجار، وغار الماء، وقل الغذاء، واشتد البلاء، خرج المستغيثون بالشيوخ الرُّكَّع، والأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُّتَّع، فنادوا: يا الله، واستغاثوا: يا الله، فينزل المطر، وينهمر الغيث، ويذهب الظمأ، وترتوي الأرض"، (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/ 5)، وإِذا بالماء يروي من العطش، ويُنَقِّي من الدنس. "إِذا اشتد المرض بالمريض، وضعف جسمه، وشحب لونه، وقلت حيلته، وضعفت وسيلته، وعجز الطبيب، وحار المداوي، وجزعت النفس ورجفت اليد، ووجف القلب. انطرح المريض، واتجه العليل إِلى العلي الجليل، ونادى: يا الله.. يا الله، فزال الداء" ودب الشفاء وسُمع الدعاء (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء/ 83-84). "إِذا انطلقت السفينة بعيداً بعيداً في البحر اللجي، وهبت الزوابع، وتسابقت الرياح، وتلبَّد الفضاء بالسحب، واكفهر وجه السماء، وأبرق البرق، وأرعد الرعد، وكانت ظلمات بعضها فوق بعض، ولعبت الأمواج بالسفينة، وبلغت القلوب الحناجر، وأشرفت على الغرق، وتربص الموت بالركاب، اتجهت الأفئدة، وجأرت الأصوات: يا الله.. يا الله، فجاء عطفه، وأشرق ضياؤه في الظلام الحالك، فأزال المهالك": (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس/ 22-23)، (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) (الأنعام/ 63-64). "إِذا حلقت الطائرة في الأفق البعيد، وكانت معلقة بين السماء والأرض فأشّر مؤشر الخلل، وظهرت دلائل العطل، فذعر القائد، وارتبك الركاب، وضجت الأصوات، فبكى الرجال، وصاح النساء، وفُجِع الأطفال، وعم الرعب، وخيم الهلع، وعظم الفزع، أَلَحُّوا في النداء، وعظم الدعاء: يا الله.. يا الله.. يا الله، فأتى لطفه، وتنزلت رحمته، وعظمت مِنَّتُه، فهدأت القلوب، وسكنت النفوس، وهبطت الطائرة بسلام". "إِذا اعترض الجنين في بطن أمه، وعسرت ولادته، وصعبت وفادته، وأوشكت الأم على الهلاك، وأيقنت بالممات، لجأت إِلى منفس الكربات، وقاضي الحاجات، ونادت: يا الله.. يا الله، فزال أنينها، وخرج جنينها". إِذا حلت بالعالِم معضلة، وأشكلت عليه مسألة، فتاه عنه الصواب، وعز عليه الجواب، مرغ أنفه بالتراب، ونادى: يا الله.. يا الله، يا معلم إِبراهيم علمني، يا مفهم سليمان فهمني، "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإِسرافيل فاطرَ السماوات والأرض عالمَ الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحقِّ بإِذنك، إِنك تهدي من تشاء إِلى صراط مستقيم"، فيأتي التوفيق وتُحل المغاليق. "فهو تعالى الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة. يتجه إِليه المريض الذي استعصى مرضه على الأطباء. ويدعوه آملاً في الشفاء". ويتجه إِليه المكروب يسأله الصبر والرضا، والخلف من كلِّ فائت، والعوض من كلِّ مفقود، (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 156). ويتجه إِليه المظلوم آملاً يوماً قريباً ينتصر فيه على ظالمه، فليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (القمر/ 10). ويتجه إِليه المحروم من الأولاد سائلاً أن يرزقه ذرية طيبة، (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم/ 4-10). وكلّ واحد من هؤلاء آمل في أن يُجاب إِلى ما طلب، ويحقق له ما ارتجى، فما ذلك على قدرة الله ببعيد وما ذلك على الله بعزيز. أي سكينة يشعر بها المؤمن حين يلجأ إِلى ربه في ساعة العسرة ويوم الشدة. فيدعوه بما دعا به محمد (ص) من قبل: "اللهم ربّ السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا وربّ كلّ شيء، فالق الحب والنوى. منزل التوراة والإِنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كلّ دابة أنت آخذ بناصيتها أنت الأول، فليس قبلك شيء. وأنت آخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر، فليس فوقك شيء، وأنت الباطن، فليس دونك شيء، اقض عني الدين. واغنني من الفقر". فهو سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، قال أبوبكر الكتاني: "جرت مسألة بمكة أيام الموسم في المحبة. فتكلم الشيوخ فيها. وكان الجنيد – رحمه الله – أصغرهم سناً. فقالوا له: هات ما عندك يا عراقي. فأطرق ساعة، ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، ومتصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إِليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه فإِن تكلم: فبالله. وإِن نطق: فعن الله. وإِن عمل: فبأمر الله. وإِن سكن: فمع الله. فهو الله، وبالله، ومع الله، فبكى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مزيد. جبرك الله يا تاج العارفين". إِليه وإِلا لا تُشدُّ الركائبُ *** ومنه وإِلا فالمؤمِّلُ خائبُ وفيه وإِلا فالغرامُ مُضيَّعٌ *** وعنه وإِلا فالمحدِّثُ كاذبُ من علق نفسه بمعروف غير معروف الله فرجاؤه خائب، ومن حدَّث نفسه بكفاية غير كفاية الله فحديثه كاذب، لا يغيب عن علمه غائب، ولا يعزب عن نظره عازب، (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يونس/ 61).   المصدر: كتاب الله أهلُ الثَّناءِ والمجدِ

ارسال التعليق

Top