• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تنمية الإيمان.. من أهم أسس التربية الدينية

أفراح شعبان

تنمية الإيمان.. من أهم أسس التربية الدينية

يحرص الإسلام كثيراً على صياغة منهج واضح ومحدّد في التربية الدينية، قوامه الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبكتبه ورسله وتشريعاته، على عكس التصوّرات التربوية السطحية المتبعة في النظم والأديان الأخرى الموجودة في الساحة العالمية.

والتربية الدينية في النظام الإسلامي، ليس مجرّد تعليم أو تلقين ديني، وإنّما هي دعامة أساسية وراسخة لتنشئة المسلمين تنشئة صالحة، مكتملة الجوانب، وبناء أجيال من المؤمنين الأقوياء.

فالتربية الدينية تهتم بالتغيير من داخل الإنسان.. من أعماقه، لتجتث كلّ قوى الشرّ والفوضى من نفسه وتبنيه من جديد، وتعتمد أساساً على غاية ومنهج وقدوة في الحياة.

إنّ التربية الدينية في الفكر الإسلامي تعارض الأسلوب المسيحي الذي يعتمد على منع مناقشة مسلّمات الدين، والأخذ بإسلوب التلقين الذي يقوم على تعليم أصول الدين من خلال مجموعة من الأسئلة والأجوبة والمحدّدة التي يصوغها "رجال الدين" في قوالب جامدة وتقليدية لا تتغير، فلا يحيد أحد عنها خوفاً من الاتهام بالانحراف، فالإسلام يرفض التلقين، ويفتح مجال المحاججة والاقتناع والتفكّر والرؤية الصحيحة الواضحة على أساس عقلي ومنطقي وعلمي، وفي اتّجاه حيوي وإيجابي، عماده الإيمان الخالص والغاية السامية في الحياة.

- تطوير المناهج التعليمية:

إنّ تربية الأجيال، يجب أن تخضع لقواعد العقيدة الإلهية الصحيحة التي تتحقق بها ذات المجتمع المسلم، وتتولّد منها قدرات خلّاقة على طريق التنمية والتطوير والبناء.

لذلك فليس غريباً، إنّ الأُمّة الإسلامية عندما تعيش تاريخها كلّه، على قاعدة أصيلة من الدين الإسلامي، ستحرص على أن يكون الدين هو الدرس الأوّل والأخير لأبنائها وأجيالها.. إنّه درس الحرّية والعدالة الاجتماعية والحضارة المتزنة... لتتحقق الغاية في بناء الفرد والمجتمع.

فالدين الصحيح، يتضمن تفسيراً شاملاً للحياة، ولذا ينبغي تصحيح المناهج التربوية في العالم الإسلامي؛ لكي يتحرر فكر الأجيال المقبلة من النظرة الضيقة للدين، والتي كانت تحصره في نطاق التراث والعبادة فحسب.

لقد تبيّن للكثير من المهتمين بهذه القضية الحسّاسة، بأنّ دراسة موضوعية لقواعد تطوير المناهج التعليمية التي تقوم على أساسها تربية دينية سليمة، يجب أن تبدأ من الإجابات الصحيحة على هذه الأسئلة:

1- قبل أي شيء، يجب التعريف بالدين الإسلامي والذي يُدرَّس لأبناء المسلمين بصورة مفصّلة، فما هو الإسلام؟ وكيف يتم تحديد مفهوم إنسانية الإنسان والعلاقات الاجتماعية، وكيف لا يتصادم الإسلام مع حقائق الحياة؟ ولا مع التقدّم العلمي والتكنولوجي؟

2- وإذا استوعب الأطفال المتعلمون مفهوماً محدداً للدين، فما الذي يستهدفه المعنيون من تعليم الدين الإسلامي؟ هل هو مادّة ثقافية فحسب، كما المواد الدراسية الأخرى؟ أم المطلوب بناء الأطفال من الأساس، بناءً سلوكياً واجتماعياً هادفاً وملتزماً، ليكونوا قوّة اجتماعية فاعلة في المستقبل.

3- وإذا تم تعريف الدين الذي يجب أن يتعلّمه الأبناء والهدف منه، تبدأ المرحلة الثالثة وهي: ما هو نوع وحجم المادّة الدينية في كلّ مستوى ومرحلة من مستويات ومراحل التعليم؟.

إذن فالتربية الدينية هي التي تمدّ الأجيال المسلمة بالفكر الحيوي الذي يواجه بمفاهيمه العميقة، كلّ التحديات المعاصرة.

والدين له جوهر واحد إيجابي وإنساني، ولذلك فإنّ منهج التربية الدينية، يجب أن يؤكِّد في أسلوبه ومادّته وهدفه، هذه الحقيقة، في كلّ مراحل التعليم حتى لمرحلة الجامعية، وفي كلّ مستويات التثقيف الديني.

- التربية الدينية والتغيير الجذري:

وليس خافياً أنّ الدين يقوم على الإيمان، الذي هو حالة تنشأ في قلب الإنسان - الذي هو مركز عقيدته - فيثير قلبه دائماً إلى الله، كمصدر يصحِّح ويوجّه مساره في الحياة، وعليه فينبغي أن ينطوي المنهج الإسلامي للتربية، على هذه النقطة الهامة ولولاها لتقوّض البناء التربوي من الأساس.

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات/ 7)، أي أنّكم بسلوككم مسالك الهداية وآخذكم بأسباب الإيمان من التفكّر والتعلّم، قد وجدتم حبّ الإيمان في نفوسكم.

إذن فالإيمان، تعلّم وتربية للنفس واستهداء متواصل، فإذا وقع الإيمان الحقيقي بالله، كانت ثمرته حياة جديدة.

والإيمان الحقّ يجب أن يدخل القلب، بما يحمله من علم والتزام وتفسير للحياة، فيغيّر الإنسان تغييراً جذرياً، لأنّه إيمان صادق، يمنح الفرد الرؤية الصحيحة لمكانه وذاته ومسؤوليته، كما يمنحه الإرادة المبصرة التي تمكّنه من توجيه عمله كلّه لينسجم مع التعليمات الإلهية التي جاء بها الإسلام.

الإيمان إذن علم، وأسباب، والتربية القائمة على الإيمان هي أساس البناء القوي لحياة الفرد والمجتمع، وذلك من خلال إعداد منهج تربوي، يرسّخ الإيمان في نفوس الأفراد، وبالخصوص الأطفال، ويوقظ فيهم القدرات الخلّاقة، حتى يجتازوا كلّ المراحل ويصلوا إلى مرحلة الشباب بسلام.

- أبعاد التربية الدينية السليمة:

كيف يتصوّر الإنسان، منهج التربية الدينية الذي يهدي إلى الإيمان، في مواجهة أعاصير التشكيك والهجمات الثقافية المضادة؟.

والتربية الدينية - عموماً لكي تتم بصورة أفضل، يجب أن تعتمد على عدة أبعاد، منها:

* البعد العقائدي الذي هو مصدر الإشعاع الديني الدائم لحركة الحياة والإنسان والمجتمع، ونعني بذلك "الله" ينبوع الخير والصلاح، والمرجع في فهمه هو القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (ع).

* البعد الاجتماعي الذي يحدد حركة الأفراد والمجتمعات نحو الخالق عزّوجلّ.

* البعد التاريخي الذي يتناول وقائع التاريخ الدينية منذ بدء الخليقة وحتى عصرنا الحاضر، وفق الرؤية الإسلامية المدعومة بالآيات القرآنية والروايات المأثورة عن الرسول (ص) والأئمة (ع).

* البعد التطبيقي الذي يشمل سيرة النماذج الخيّرة في تاريخنا الإسلامي، وهم الأنبياء وفي طليعتهم نبيّنا محمّد (ص) وحياة العترة الطاهرة والصحابة الذين التزموا خط الرسالة الصحيح، حتى آخر لحظة من حياتهم، والنماذج المعاصرة التي تجسّد الإسلام بحقّ.

إنّ اجتماع الأبعاد الأربعة في منهج التربية الدينية، ضرورة تفرضها الحاجة إلى فهم الدين -كما هو - في أصوله الثابتة وصورته الحقيقية دون تحريف أو إخفاء لجانب من جوانبه، أو تجاوز تشريع من تشريعاته، كما هو الحال لدى الكثير من الأنظمة التي تنتمي إلى الفكر الشاذ والمستورد، والتي تعزل الدين عن طبيعته، أو تحمله على غير موقعه الصحيح، ومن ثمّ تعزله عن الحياة والواقع.

- المفهوم الاستعماري للتربية الدينية:

إنّ الاتجاه الذي كان يشجعه الاستعمار في فهم الدين هو تجريده من كلّ ما يجعله أمراً واقعاً ومعاشاً في حياة الأُمّة الإسلامية. فبدأ في المناهج التعليمية والثقافية، وقام بعزلها عن الدين والمصير الحضاري للمسلمين، ولذلك مضى الاستعمار يؤيد هذه التوجّهات المشبوهة التي تنادي بالإسلام منفصلاً عن أي مضمون واقعي يجسّد آمال المسلمين ويحل مشاكلهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وقد تمكن الاستعمار، من خلال سطوته وتحكّمه بالأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي لمدّة طويلة، من فرض منهج للتربية الدينية مستوحي من فكرته الضيّقة والمبتورة عن الدين. وقد لعبت هذه التربية بعقول الكثير من المسلمين وشكّلت مانعاً أمام تطبيقه الكلي على حياة المجتمع المسلم.

- كيف ننقّي المناهج التربوية؟

ولتخليص مناهج التربية الدينية من التأثير الاستعماري الذي ما يزال يعمل عمله في أغلب البلدان الإسلامية التي كانت خاضعة للاحتلال الغربي، ينبغي اتِّباع التعليمات الآتية:

1- التأكيد على معنى الوحدانية لله والذي هو المُرسل للأنبياء، والباعث لديننا الإسلامي وهو أساس الكون وخالقه.

2- تعريف التربية الدينية على أنّها أسلوب لتنمية الإيمان الصحيح في الاتّجاه الصحيح لتقوية اعتقادات الإنسان وليس تغييره شكلياً... لأنّ المقصود من التربية تقوية وتعزيز الدين في النفوس... وتربية وترسيخ إرادة التغيير في نفس المرء ليبني نفسه ومجتمعه بالإيمان.

3- لابدّ للدين من دعامة فكرية يواجه بها أبناء المسلمين الأيديولوجيات العالمية... دعامة فكرية مسلحة بالبراهين لإنارة الطريق أمام الأجيال المسلمة... ولا تتم هذه الغاية السامية المُثلى إلّا بالتربية الدينية المتكاملة.

ويجب تقديم تعريف شامل لمنهج الدين في تفسير الحياة إلى أبنائنا، وبصورة مبسطة يلائم مستوياتهم العقلية والذهنية. فالدين هو التزام بتفسير الحياة على أساس المشيئة الإلهية، وفي ضوء ما جاء من عند الله... فلابدّ من هذا التعريف الأشمل في هذا العصر، الذي يضمن مفهوم الإنسان في النظرة الدينية، ومفهوم الإنسان في النظرة الدينية، ومفهوم المجتمع ومفهوم التاريخ، بل ومفهوم كلّ الأمور المتعلِّقة بالإنسان والحياة.

4- يقتضي الأمر كذلك تعريف كلمات هامة أخرى مثل الإيمان والإسلام والقرآن، والكتاب والفطرة، والقلب والعقل، والنفس والروح، والعلم والعمل، والحقّ والعدل، والخير والشرّ... مما يلزم وضوحه وانسجامه مع تعريف الدين، لأنّه لا يتم فهم الدين بتعريف محدد دون ارتباط.

5- هذه المعاني كلّها متوفرة في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (ع)، لذلك فإنّ تحفيظ قدر كبير من القرآن والأحاديث الشريفة، أمر حيوي لتنمية الحس الديني.

6- ربط جميع العلوم والمعارف بما يقابلها من آيات القرآن الكريم التي أشارت إليها؛ ليتجاوز فكر الناشئين هذه الفجوة المفتعلة بين العلم والدين وبين الدين والحياة.

7- اعتبار العمل الميداني في مجالات البرّ والإحسان وبناء المجتمع، جزء من التربية الدينية.

8- الإجابة الصحيحة على جميع المآخذ والشبهات التي آثارها ويثيرها أعداء الدين، وذلك لتحصين الأجيال الناشئة ضد مخاطر الشك والتمزق وفقدان الثقة بالشريعة الإسلامية ومفاهيمها العظيمة.

ارسال التعليق

Top