• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

جماليات اللون في القرآن الكريم

أسرة البلاغ

جماليات اللون في القرآن الكريم

اللون من أهم وأجمل ظواهر الطبيعة ومن أهم العناصر التي تشكل الصورة الأدبية لما يشتمل عليه من شتى الدلالات الفنية، الدينية، النفسية، الاجتماعية الرمزية والأسطورية.
للون دوره الخاص في الصورة الفنية القرآنية لأنّ اللون قد وظف في المستويات البنيوية والتعبيرية، الحسية، التزيينية والجمالية والرمزية للتصوير الفني القرآني. فاللون في القرآن قد يدل على القدرة الإلهية والرحمة الربانية والجمال الإلهي الذي تبارز وتظاهر في الطبيعة وقد يرمز إلى الحياة أو الموت والأمل أو الخيبة والكفر أو الإيمان، الهداية أو الضلالة والنشاط أو الحزن و...
استخدم اللون لشتى الدلالات فيما يدل عليه مباشراً كالأخضر والأصفر والأبيض والأحمر والأزرق والأسود وما يدل عليه غير مباشر كالليل والنهار والنور والظلام.

القرآن كريم..اللون، الجمالية، الدلالة
مقدمة:
لاشك أنّ اللون من أهم الظواهر والعناصر التي تشكل الصورة الأدبية لأنّ له ارتباطاً وثيقاً بجميع مجالات الحياة وظواهر الكون وله علاقة وطيدة بالعلوم الطبيعية وعلم النفس، الدين والثقافة والأدب، الفن والأسطورة و..
هذا وقد يعمق اللون علاقة الأدب بفن الرسم لأنّه كما يقول سيمونيدس الشاعر اليوناني: الرسم شعر صامت والشعر تصوير ناطق.
الأديب يستثمر الألوان لخلق التوازن والتناسب والوحدة والأنسجام التي هي من أهم مباني علم الجمال. بحيث يعتقد بعض كبار الشعراء أنّه لابد من تدمير الواقع الخارجي لخلق واقعية جديدة ولحصول هذا الغرض لابد من الالتجاء إلى الألوان.
إذن التدقيق في الآثار الأدبية يرشدنا إلى أنّ استخدام اللون في هذه الآثار ليس صدفة وليس لتنميق الكلام فحسب بل له ارتباط وثيق بجميع المستويات البنيوية والبلاغية والتعبيرية للنص الأدبي.
هذا والتصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن. فهو يعبر بالصورة المحضة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية وعن الطبيعة البشرية ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد وإذا النموذج الإنساني شاخص حي وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية و... يجب أن نتوسع في معنى التصوير، حتى ندرك آفاق التصوير الفني في القرآن. فهو تصوير باللون وتصوير بالحركة وتصوير بالتخييل.
إذن الدرس في كيفية إستخدام وتوظيف الألوان في القرآن الكريم تستطيع أن تكون خطوة هامة لفهم المفردات والتراكيب والتصاوير القرآنية القيمة.
فالهدف من هذه الدراسة التعرف على الدلالات البنيوية والتعبيرية والبلاغية للألوان وأثرها في جماليات القرآن الكريم.

ماهية اللون
يعرف اللون بأنّه الإنطباع الذي يولده النور على العين، فكل لون يتخذ قيمة معينة بالنسبة للبيئة التي تحيط به وهذا التعريف يقع ضمن دائرة الوعي الاجتماعي لمدركات الأشياء أما التفسير الفيزيائي للون فهو عبارة عن موجات ضوئية اهتزازية تدركها العين وهذه الموجات تقصر أو تطول وفقاً لطول الموجه وعليه فأنّ اللون يكون أكثر من مجرد زخرفة أو زينة للعين، أنّه النور وقد تجزأ أطوال موجات إلى نسب اهتزازية مختلفة، فالشيء الذي يمتص كامل النور يسمى أبيض. وبما أنّ كل جسم يمتص موجات خاصة ويعكس الموجه التي تناسب لونه، فالموجه التي تدخل العين هو لون نفس الجسم.

دلالة اللون
كل إنسان يفضل ويحبذ بعض الألوان ولا يحب البعض الآخر وقد يرفض الألوان بالطبع، اختيار الألوان ورفضها وقبولها يعود إلى أسباب متنوعة فيزيولوجية، نفسية، اجتماعية، دينية، رمزية، ذوقية و...
ولكل لون معنى نفسياً يتكون نتيجة لتأثيره الفيزيولوجي على الإنسان. يقال أنّ الوقت يمضي بسرعة تحت أشعة خضراء ويمضي ببطء تحت أشعة حمراء، فاللون الأخضر لون هادئ، ومريح للأعصاب مما يشعر بمرور الوقت ضعيفاًً وأما اللون الأحمر فمشهور بأنّه لون مثير ومهيج ومقلق ويؤدي إلى الشعور بالملل مما يجعل المرء يشعر بأنّ الوقت لا يمضي.
فيمكن القول أنّ الحالات النفسية والعاطفية قد تسبب عن آثار الألوان على الإنسان.
فالألوان مفرحة، مهدئة، مهيجة، محزنة، مشوشة، مقلقة، مؤملة، مخيبة و...
هكذا العوامل الاجتماعية كالآداب، السنن، التقاليد والعادات لها آثرها في اختيار وتفضيل اللون. فلبس السواد لون الحداد والحزن عند كل الشعوب كما أنّ البياض ليس لون الفرح والسرور عند الجميع.
والبيئة الجغرافية والأقليمية أيضاً لها أثر يذكر في اختيار اللون، لأنّ كل شعب يمكن أن يحبذ لوناً ويستثمره وفقاً لظروفه البيئية والجغرافية. فمثلاً يعشق الجاهلي اللون الأخضر لأنّه يبحث عن الخصوبة والعشب والكلأ والشجر في فيافي الجزيرة ولا يحب اللون الأحمر لأرتباط هذا اللون بالجدب والقحط والحرارة والجفاف والظمأ.
إذن وظائف أي لون تختلف بأختلاف الحضارات والمجموعات البشرية. يطرح (غرهام كوليير) مثالاً للتدليل على ذلك في أطار الوظيفة الرمزية للون في الرسم الديني البيزنطي في القرون الوسطى: فالأزرق اللون الغالب على رداء العذراء الخارجي يرمز إلى النقاء والصفاء ويلمح الأحمر إلى العاطفة البشرية والأنهماك الدنيوي ويمثل الأخضر الخصب وحاله الأمومة بينما يستعمل الذهبي كأرضية للصورة ليرمز إلى ما هو مقدس.
علاوة على هذا كله الذوق الفردي له دوره في تفضيل أي لون إلا أنّ الذوق متأثر من الأسباب السابقة. فالألوان بالأضافة إلى كونها مظهراً من مظاهر الواقعية تكون حاملة ارث ثقافي حيث تتوضع في الألوان جملة من البنى الأسطورية الحضارية المؤسسة لثقافات الشعوب فلها دلالات جمالية.

اللون في القرآن الكريم
لاشك أنّ بلاغة القرآن هي التي افحمت العربي واسكتت جميع البلغاء ومن دعائم بلاغه القرآن موسيقى المفردات والمركبات والصور الفنية اللطيفة الدقيقة فيه واللون ظاهرة وظفت في الصورة الفنية القرآنية كثيراً لتلعب دورها في الدلالات القرآنية.

كلمة اللون
أنّ كلمة اللون وردت في القرآن الكريم تسع مرات. قد يهدف ذكرها تحديد ماهية اللون كما في قوله تعالى: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة/69).
فيما بقي من الآيات التي ورد فيها لفظ اللون يقترن هذا اللفظ بالكلمة (الاختلاف) أو كلمة (المختلف) ليدل أولاً على القدرة المطلقة الإلهية وثانياً على ما دعى الإنسان إليه من التفكير والتبصر في حقائق عالم الكون. هذا ما يؤيده ذكر عبارة "ألم تر أنّ الله.." أو عبارة "ومن آياته...." أو عبارة "أنّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون...". في هذه الآيات:
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) (الروم/22).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ماء فسلكه يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ) (الزمر/21)
الأخضر والأصفر والأبيض والأسود والأحمر والأزرق هي الألوان الستة المذكورة في الآيات القرآنية كما أنّ هناك كلمات أخرى قد تدل على ما تدل عليه الألوان كالليل والنهار والنور والظلام و...

اللون الأخضر
اللون الأخضر هو لون الحياة والحركة والسرور لأنّه يهدئ النفس ويسرها وهو تعبير عن الحياة والخصب والنماء والأمل والسلام والأمان والتفاؤل وهو لون الربيع، الطبيعة الحية، الحدائق، الأشجار، الأغصان والبراعم.
يعتبر الأخضر في الفكر الديني رمزاً للخير والإيمان وأنّه أكثر شيوعاً في الروايات العربية الإسلامية وقباب المساجد وأستار الكعبة وعمائم رجال الدين.
قد وردت لفظة الأخضر ثماني مرات في القرآن الكريم كلمة خضر استخدمت لبيان ماهية وجمال ثياب ومجلس أهل الجنة:
(وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) (الكهف/31)
(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) (الإنسان/21)
في الآيات التسعة الباقية اقترنت كلمة أخضر ومشتقاتها بالنبات دلالة على جمال الكون وحيويته كمظهر من مظاهر القدرة والرحمة الإلهية المطلقة. القدرة التي تجعل الشجر الأخضر حطباً يحترق ومولداً للطاقة ليستثمره الإنسان في حياته:
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يس/80)
القدرة التي تخرج من التراب نباتا أخضر:
(فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا) (الأنعام/99).
فإخضرار الأرض وخصوبتها وطراوتها تحت الأمطار الغزيرة من دوافع التفكير وحوافز التبصر في حقيقة الوجود:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً) (الحج/63).
هناك حكاية رمزية في قصة يوسف القرآنية استخدمت فيها كلمة خضرة مرتين. في التصاوير المقدمة في هذه الحكاية لكلمة الخضر دلالة رمزية ترمز هذه اللفظة إلى الحياة والحركة والطلاوة والطراوة مقابل كلمة اليابس التي ترمز إلى الصمت والسكون والفناء والموت:
(إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) (يوسف/43).

اللون الأصفر
يعتبر اللون الأصفر من أشد الألوان فرحاً لأنّه منير للغاية ومبهج. هذا اللون يمثل قمة التوهج والأشراق ويعد أكثر الألوان إضاءة ونورانية، لأنّه لون الشمس ومصدر الضوء واهبة الحرارة والحياة والنشاط والسرور. واستخدمه المصريون القدماء رمزاً لألهة الشمس وللوقاية من المرض.
للون الأصفر دلالة أخرى تناقض الأولى وهي دلالته على الحزن والهم والذبول والكسل والموت والفناء ربما الدلالة هذه ترتبط بالخريف وموت الطبيعة والصحارى الجافة وصفرة وجوه المرضى.
ورد اللون الأصفر في القرآن كريم خمس مرات، منها:
(...قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (البقرة/69).
الجملة الوصفية (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) في الآية يبين دلالة هذا اللون المبهجة في الطبيعة فـ (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) أي تعجب الناظرين وتفرحهم بحسنها عن قتادة وغيره وروى عن الصادق (ع) أنّه قال: "من لبس نعلاً صفراء لم يزل مسروراً حتى يبليها كما قال الله تعالى صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. (الطبرسي، ج1، 274).
ففي الآية هذه، البقرة موصوفة باللون الأصفر تحديداً لماهية لونها والدلالة على جمال هذا اللون وتأثيره النفسي على الإنسان.
في الآيات الأربعة الباقية المذكور فيها هذا اللون لا نجد دلالة إلا ما يدل على المرض والموت والفناء: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) (الحديد/20).
إذن في الآية صورة تمثيلية لنهاية الحياة وفناء لذائذها. شبهت ملاهي الحياة ولذائذها بإخضرار الأرض وخصوبتها بعد نزول أمطار غزيرة فلم تلبث الأرض أن تجف وتصير قاحلة ويتحطم زرعها اليابس. فالإصفرار في هذه الآية يدل على الذبول، الموت والأضمحلال وكل الصورة في خدمة هداية الناس وتوجيههم نحو السعادة.
الصورة نفسها توظف في سورة زمرة آية 21 مرة أخرى حتى تكون موعظة بليغة لأصحاب الفكر وأولي الألباب:
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ماء فسلكه يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ).
الآية تدعو إلى التبصر والتفكير والأصفرار علامة القدرة الكاملة الإلهية والسنة الإلهية النافذة والجارية في الخلق التي تحكم بفناء كل شيء.
هناك تصوير آخر تجسم وتجسد فيه حالات المكذبين في يوم القيامة. عندما تقول لهم الخزنة أذهبوا وسيروا إلى النار التي كنتم تجحدونها وتكذبون بها. ثم شبه الله تعالى شرر النار بالقصر في العظمة والتخويف ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر فقال كأنه جمالت صفر أي كأنه أينق صفر وقيل أينق سود (انظر: طبرسي، ج 1، ص 634) فالصفرة وصف ورد تبيينا لشدة العذاب وتخويفاً وتحذيراً للناس من التكذيب.
هناك صورة أخرى يعيب فيها سبحانه كافر النعمة، حيث يقول:
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) (الروم/51).
فـ (المصفر) في الآية وصف لنبات دال على الفناء والعذاب كما يدل على قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي يجعل الخضرة والطراوة صفراً وذبولاً.

اللون الأزرق
يعتبر اللون الأزرق لون الوقار والسكينة والهدوء والصداقة والحكمة والتفكير اللون الذي يشجع على التخيل الهادئ والتأمل الباطني ويخفف من حدة ثورة الغضب ويخفف من ضغط الدم ويهدئ التنفس ويرمز إلى الصدق والحكمة والخلود والأخلاص. (انظر: الشاهر، ص 3).
لم يرد هذا اللون في القرآن الكريم إلا مرة واحدة: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) (طه/102).
إذن اللون الأزرق استخدم في صورة مخفية قرآنية إلا أنّ هذا اللون لم يدل على الخوف والوحشة إلا مع ما تركب معه من السواد.

اللون الأحمر
اللون الأحمر لون القوة والحياة والحركة وأما عاطفياً فيعتبر اللون الأحمر لون الحب الملتهب والتفاؤل والقوة والشباب.
أكثر الشعراء القدماء من استخدامهم هذا اللون نتيجة وعيهم الجمالي والمعرفي لدوره في أصل الوجود والواقع، لذلك تنوعت ألفاظه التي كثرت لتعبر عن ماهيته وقيمته ومدى نقائه ودرجة تشعبه، من ذلك قولهم أحمر، أحمر قاني، ومدمي واضريج، جريال، عندم، اسفع، كميت و... .
كما يمثل هذا اللون الشر والكفر والقتل والدم والجان يرتدون اللباس الأحمر وأحيانا يعبر عن الفرح والسرور ويستخدم في الأعياد.
لم يرد اللون الأحمر في القرآن الكريم بلفظه الصريح إلا مرة واحدة مزروعة بين اللونين الأبيض والأسود: (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر/27).
فـ (الحمر) في الآية الشريفة يبين تلون الطبيعة وتنوعها ليدل على المنة والمنة الإلهيتين موعظة للناس ودعوة لهم إلى التفكير.
استخدم هذا اللون بغير لفظه في آية: (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) (الرحمن/37). وظف (الوردة) في هذه الصورة الفنية لتدل على لون السماء حين تنفرج أبوابها لنزول الملائكة.
فشبه السماء يوم القيامة في اختلاف ألوانها بأفرس الورد وقيل أراد به النبات وهي حمراء الحمرة في هذا التصوير تدل على شدة العذاب تهويلاً وتخويفاً للعصاة والمذنبين لأنّ الحمرة تمثل وتجسم لهيب النار.

اللون الأسود
السواد في الفيزياء بمعنى فقد اللون. أي كل شيء لا تبلغ منه موجات إلى العين يرى أسود.
هذا اللون هو لون الظلام، الصمت، اليأس والخيبة والفناء ورمز الحزن والهم والموت والأخفاق و... اللون الذي يمثل الظلم، الظلالة، الغضب، الأثم، الكفر، الشرك و... .
ورد اللون الأسود سبع مرات في القرآن الكريم، بعضها تمثل الكفر والأرتداد والعصيان والتكذيب، فسواد الوجه يرمز إلى سواد الروح وتلوثها تمثل وتجسم في وجوههم، لأنّ الوجه مرآة الروح ولا يخفى ما في الروح من الحالات:
(تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) (الزمر/60).
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) (آل عمران/106).
وقد يستخدم السواد كناية عن ظلمة آخر الليل التي تكاد تنحسر:
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ) (البقرة/187).
وقد يكنى به عن شدة الغضب وحدة الغيظ:
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (النحل/58).
(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) (الزخرف/17).
وقد وظفت الألوان ومنها السواد لتدل على آثار قدرة الله
(وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر/27).

اللون الأبيض
من وجهة نظر فيزيائية، اللون الأبيض يحتوي على موجات الألوان كلها بمعنى أنّ الشيء الذي يعكس الموجات كلها إلى العين، يرى أسود.
ومن وجهة نظر سايكولوجية واجتماعية و.. هذا اللون، لون الطهارة والخلوص والصفاء والنقاء والمحبة والخير والحق والعدالة.
هذا اللون يقابل السواد في كل دلالاته. إذن يمثل ويصور الأوصاف الإيجابية والحالات المطلوبة والخصائص والمحمودة.
ورد البياض أحدى عشرة مرة صراحة في القرآن الكريم. بعض الآيات توضح لنا أنّ الطهارة والنقاء والإيمان والصفاء تتجسم بيضاء في القيامة، فتصبح وجوه الصالحين والطاهرين بيضاء لامعة:
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (آل عمران/106-107).
في هذه الآية (ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) كناية عن (صلحت أعمالهم وطهرت أرواحهم). وفي الآية (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف/84)، بياض العين كناية عن العمى، لأنّ من يصبح أعمى، يفقد سواد عينه عادة.
استخدم هذا اللون في حكاية موسى، عندما كانت يده بيضاء بأمر من الله دلالة واضحة ومعجزة لرسالته وبياناً لما أعطاه الله من القدرة لأثبات نبوته وأفحام المنكرين.
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (النمل/12)
(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) (القصص/32).
وفي الآية الكريمة (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) (فاطر/27).
البياض من مظاهر الجمال الإلهي والقدرة الكاملة الربانية. وفي الآية الكريمة (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) (الصافات/45-46)، وصفت الخمر (في الجنة) بالبياض لأنّها في نهاية الرقة مع الصفاء واللطافة النورية قال الحسن خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن.

تعليقات

  • ميسا السبيعي

    جميل

  • 2020-11-08

    احمدحسين

    بوركت وسلمت اناملك

ارسال التعليق

Top