• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لغتنا والمسؤولية الاعلامية

د. فؤاد توفيق العاني

لغتنا والمسؤولية الاعلامية

   يقول الله عزّ وجلّ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف/ 2).

ويقول الرسول (ص): "مَن تكلّم بالعربية فهو عربي ومن وجد له أبوان في الإسلام فهو عربي"[1]. إنّ العربية هي لغة إسلامية وهي لغة كل مسلم، وكل من دخل في دين الله يجب أن يعرف اللغة العربية، لغة القرآن الكريم ولغة أشرف الخلق وخاتم الأنبياء (ص) ليتمكن من المعرفة المباشرة لمنابع دينه القيم الخالد، ويتمكن كذلك من إيجاد التفاهم والتقارب الفكري مع إخوانه في كل مكان. ومما لا شك فيه أنّ اللغة العربية بخصائصها التي تميزت بها دون سائر اللغات تمثل أرقى مستوى تعبيري يستطيع أن يبين عن مكنون الخواطر بأسلوب بليغ يأخذ الألباب.. ولذا اختارها الله تعالى لتكون لغة كتابه وشرعه المهيمن على سائر الكتب والشرائع. فمن هذا المنطلق يجب أن يحرص عليها كل مؤمن بذلك الكتاب، ويحافظ عليها، إذ أنّ المحافظة على هذه اللغة مما رغّب فيه الشرع الحكيم. لذا انبرى عدد كبير من أبناء المسلمين يتدارسونها ويقنّنون لها أحكاماً وقواعد تضبط النطق والكتابة بها. فلا لحن ولا تصحيف ولا تحريف... بل راحوا يقننون أيضاً لأسرار تراكيبها ليبينوا أسباب السحر في أساليبها، وامتلأت المكتبة العربية بنفائس الكتب وذخائر المصنفات في هذا الميدان. وإذا كان التأريخ يشهد بهذا كله فإنّه في ذات الوقت يشهد بأنّ اللغة العربية حوربت فيما مضى كما تحارب اليوم على الرغم من اختلاف طبيعة هذه الحرب عن تلك، فبالأمس البعيد كان يقود هذه الحرب أعداء العربية والإسلام من غير العرب حيث وقفت الشعوبية في وجه العرب ولغتهم لتقضي على هذا الميدان، ولكنها استطاعت أن تحتفظ بقوتها وتصمد وتنتصر لأن أبناءها كانوا معها. فردوا على الشعوبين من مغول وصليبيين غيظهم. واليوم تواجه لغتنا مشكلات ومتاعب وحملة رهيبة تريد الكيد منها، وعلى الرغم من تصدي بعض المخلصين والغيارى من أبنائها لهذه الحملة ألا أنها تركت أعواناً وأذناباً تتحرك، حتى يومنا هذا، تعمل في السر والعلن من أجل تقويض صرح اللغة الفصحى... ومن أبرز مظاهر هذه الحملة: الدعوة الصريحة إلى اللغة العامية، لغة الشعب باعتبارها لغة مفهومة وسهلة، فهي خير من الفصحى. ولأنّ اللغة الفصحى جامدة ومعقدة ولا تساير التقدم – حسب زعم هؤلاء –. كما أنّ الأدب العربي – قديماً وحديثاً – أدب محصور في نطاق الحدود العربية، لا يستطيع أن يصل إلى الأدب العالمي. ولن يصبح عالمياً إلا إذا تخلى عن قيوده وحدوده. وهذه الحرب أفظع حرب تواجهها اللغة الفصحى لأن أعداءها اليوم هم أبناؤها وسدنتها الذين تقع عليهم مسؤولية صيانتها والحفاظ عليها، فنرى سريان اللحن على ألسنة الكثير من المدرسين والمتحدثين – سواء الإذاعيون أو الخطباء –. وكذا كثرة الأخطاء اللغوية التي أصبحت شائعة على كل لسان ويجري بها كل قلم. وأصبحت لغة الصحافة اليومية هي ثروة الكاتب أو الأديب الناشئ رغم ما بها من ركاكة وضعف، زد على ذلك أنّ وسائل الإعلام كافة تصور مدرس اللغة العربية بصورة هزيلة، فيظهر فيها ساذجاً أبله حتى أصبح كل من يحاول الكلام بالفصحى مثالاً للسخرية والتفكه. إنّ الحفاظ على لغتنا العربية أمانة في اعناقنا جميعاً يوجبها علينا إيماننا بالله وتمسكنا بكتابنا الكريم وديننا الحنيف، فالمسؤولية تقع على الجميع سواء كانوا متخصصين أو غير متخصصين، ويأتي في المقام الأوّل من هم على رأس مسؤولية الثقافة والصحافة والإعلام بوجه عام. لقد أصبح الإعلام في يومنا هذا بمختلف وسائله من صحافة وإذاعة وتلفاز مصدراً من مصادر تعلم اللغة، بل مصدراً مؤثراً في لغة الخطابة والكتابة والحياة اليومية. ويزيد من أهمية الإذاعة مع الصورة وبغير انتشارها وسماعها من المتعلم والأمي. كما أنّ الصحافة أصبحت مصدر الثقافة والعلم لقطاع كبير من المتعلمين بعد أن قل عدد قراء الكتب والصابرين عليها، بحيث أصبح الحصول على شخص قارىء للكتب ظاهرة لافتة بين الناس، حتى بين من ارتبطت معيشتهم بالكتب تعليماً وطبعاً ونشراً وبيعاً. ولأنّ الإعلام أصبح مصدر ثقافة الكثيرين وزادهم العلمي الذي يعتمدون عليه، فإنّ خروج لغة الإعلام على لغة القرآن والتساهل في ذلك يعد من القصور في هذا الجهاز الضخم عن أداء واجبه في نشر لغة القرآن وجعله لغة الحياة اليومية. "ومسؤولية الكلمة" كما نعلمها أكثر خطراً وأعظم تأثيراً في حياة الأُمم، ولولا ذلك ما أقسم الله سبحانه وتعالى بالقلم والدواة بل جعل في أولى آيات القرآن الكريم ذكراً للقلم الذي كان وما يزال أخطر أداة عرفتها البشرية وستعرفها في حياتها. (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5). والتهاون في أمر اللغة قد يصمنا بالعجز والخوف، ويعده البعض مظهراً من مظاهر ضعف الشخصية الثقافية والحضارية[2].  الهامش:
[1]- أرى أنّ هذا الحديث لا أصل له. حيث حاولت كثيراً في تخريجه ولم أصل إلى نتيجة.

[2]- أنظر د. عباس محجوب – مقال "لغة ولغة القرآن" – صحيفة المدينة العدد 4835، تاريخ 3/4/1400هـ.

المصدر: كتاب الصحافة الإسلامية ودورها في الدعوة

ارسال التعليق

Top