• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لماذا أقسم الباري بمواقع النجوم؟

فاضل أحمد العلوي

لماذا أقسم الباري بمواقع النجوم؟

الآيات الوصفية في معاجز الله الكونية

إنّ هدف البحث في اعجاز القرآن الكريم هو ربط الناس بهذا الكتاب المبارك. فبدون فهم هذا الكتاب الكريم تصبح القراءة سرداً ويكون الإنسان همّه أن يختم الآيات والسور. فبهذا الارتباط نفهم ونلتذ بما نقرأ ونعرف انّ الذي بين أيدينا هو معجزة وكلما زاد ارتباطنا بهذا الكتاب العظيم ارتقى إيماننا وتعدل سلوكنا بسلوك القرآن الكريم. يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم: (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء/ 37)، ويقول عزّ وجلّ: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت/ 54)، اي القرآن. (السين) هي المستقبل الدائم المستمر، كلما زاد العلم بسطة كلما اكتشف الناس المزيد عن هذا الكتاب الكريم. لقد فهم أجدادنا الأقدمون الآيات الكونية بأسلوب مبسط، وبتقدم العلم اكتشف العلماء مزيداً من الاعجاز في آيات الكون، فنجد أن فهمنا لهذه الآيات المبهرة يتسع ويتجدد. وبالحقيقة لا توجد زاوية من الزوايا التي ينظر فيها المسلم أو المحايد إلى كتاب الله الا ويرى سورة من سور الإعجاز تشهد بأنّ القرآن كلام الله وبأن هذا النبي الخاتم موصول بالوحي ولا ينطق عن الهوى. فالآيات الكونية وهي أكثر من ألف أيّة صريحة جاءت كلها لتشهد ببديع صنع الله، وانّ هذا الخالق العظيم الذي صنع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، قادر على إفناء الكون وإعادة خلقه من جديد. ونرى هذه القدرة في زماننا في ظل المعرفة المتطورة عن الكون ومكوناته، ففي سورة الواقعة يقول الحق: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة/ 75-76)، القسم هنا يأتي من قبل التنبيه، للمسلمين بخاصة وللناس بعامة، إلى أهمية الأمر المقسوم به، لأنّ الله سبحانه وتعالى غني عن القسم لعباده، ويعجب الإنسان هذا القسم بمواقع النجوم. فالنجم عبارة عن كتلة من الغاز الملتهب المشتعل مضيء بذاته تظل شعلته لملايين السنين دون أن تنطفئ. فلماذا أقسم ربنا، سبحانه وتعالى، بمواقع النجوم ولم يقسم بالنجوم نفسها. الآن بدأنا ندرك المعنى في ذلك. فالبدوي في عهد الرسول (ص) يسمع بهذا القسم فيقول: النجوم مواقعها عظيمة وتستحق أن يقسم بها لأنّ لا طاقة للإنسان في الوصول إليها. أما الآن فنحن ندرك عمقاً أكثر في هذا القسم. انّ أقرب نجم إلينا يبعد 4.2 سنة ضوئية والسنة الضوئية 9.5 مليون كيلومتر، فبالحقيقة انّ ما نرى من الجزء المدرك من الكون، وكله سماء الدنيا، يبلغ طوله 36 ألف مليون سنة ضوئية!! ويقدّر انّ مجرتنا تحوي أكثر من 400 ألف مليون نجم وانّ في السماء أكثر من 200 ألف مليون مجرة!! إذن نرى عمقاً في هذا القسم لم يكن يدركه السابقون. فلنعد إلى السؤال: لماذا أقسم الله سبحانه وتعالى بمواقع النجوم ولم يقسم بالنجوم ذاتها على عظم شأنها. الجواب الذي توصل إليه العلماء ومنذ سنوات قليلة مضت هو انّ الإنسان لا يمكن أن يرى النجم اطلاقاً، فالشمس وهي أقرب نجم لنا تبعد عنا 150 مليون كيلومتر فحينما ينبثق منها الضوء فإنّه يصلنا بعد ثماني دقائق ونظراً لأنّ الشمس تتحرك في مدارها بسرعة أكثر من ذلك بكثير، فإننا لا نرى الشمس ولكن نرى موقعاً مرت به. العلماء يقولون إنّ أقرب نجم لنا يبعد 4.2 سنة ضوئية، فحينما ينبثق الضوء من هذا النجم فإنّه يصلنا بعد أكثر من 50 شهراً، وبذلك يكون النجم قد تحرك من مكانه. ليس هذا فقط بل انّ هناك نجوماً ترى في صفحة السماء في ظلمة الليل واثبت العلم انها قد انفجرت منذ آلاف السنين ولا وجود لها، وهذه آية من آيات الله سبحانه وتعالى. يتحدث القرآن في آية وصفية أخرى ويقول: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (المرسلات/ 8)، ويقول: (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (التكوير/ 2)، يؤكد العلم التجريبي انّه في مراحل حياة النجوم مرحلة انكدار ثم طمس، كيف؟ فالنجم يتوهج ويضيء أي يشتعل بذاته، ومن مسببات هذه الاشتعال عملية الاندماج النووي داخل جسم النجم. فإذا تحول لب النجم بالكامل حديد فإنّه اما أن ينفجر أو يتكدس على ذاته بحيث لا يسمح للضوء أن ينفذ من خلاله فلا يرى، وقبل ذلك يمر بمرحلة انكدار أي اختفاء تدريجي للضوء حتى يختفي النجم بالكامل. فالقرآن الكريم يصف هذه الحقيقة بوصف بديع: (وإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ)، فالاختفاء التدريجي للضوء يعني الانكدار والاختفاء الكامل للضوء يعني الطمس. ويتحدث العلماء عن حالة مبهرة من حالات النجوم تعرف بالثقوب السود تتكدس فيها المادة فلا ينفذ منها الضوء وإذا سقط عليها الضوء تبتلعه، إذن هذه الثقوب السود لا ترى ولم يتعرف عليها إلا حديثاً. وفي آية وصفية أخرى يقول عزّ وجلّ: (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) (التكوير/ 15-16)، انّه قسم عظيم قسمه الله سبحانه وتعالى بحقيقة لم يعرفها العلماء إلا منذ سنوات قليلة. والثقب الأسود عبارة عن نجم خانس يمثل مركز ثقل المجرة بما فيها من نجوم وكواكب وأقمار ومذنبات وشهب ونيازك نظراً لكثافته العالية حيث يتوقع انّ وزن 1 سم 2 فيه يصل إلى 250 مليون طن نتيجة لتكدس المادة المبهر. والثقب الأسود دار عليه جدل كبير بين العلماء حتى اتفقوا على انّه حقيقة كونية ولو أنّه لم ير أبداً، أما كيف ادركوه؟ فقد أدركوه لأنّه يسحب باستمرار تياراً من الالكترونات من النجوم االتي لا يستطيع أن يبتلعها، وبحسابات رياضية تم إدراك مكانه. إذن فالنجم الخانس لا يرى وانّ الله سبحانه وتعالى يقسم به على انّه من صور بديع صنيعه في الكون. وقد ثبت علمياً بأنّ هذه النجوم الكثيفة (الثقوب السوداء) تبتلع وهي تدور في مدارها وتتحول إلى هالة من الدخان يخلق منها نجوماً جديدة وهذا هو تفسير للجواري الكنس، أي مكانيس السماء وقد وصفها عالِم أميركي بأنها شافطات تنظيف عملاقة في السماء وانّ هذا الانفجار والتحول إلى هالة الدخان يعرف بدورة حياة النجم وكأن الله سبحانه تعالى يرينا عملية الخلق الأول في صفحة السماء. سبحان الله (.. خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الزمر/ 62-63).   المصدر: مجلة الكلمة/ العدد الثالث لسنة 2004م

ارسال التعليق

Top