• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

موعظة لقمان معالم مضيئة لا يفتر توهجها

شاكر عبدالجبار

موعظة لقمان معالم مضيئة لا يفتر توهجها

-       (سورة لقمان)

الم (١)تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (٢)هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦)وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٧)إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨)خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠)هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ (١٧)وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (١٨)وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٢٠)وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (٢١)وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ (٢٢)وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٢٣)نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥)لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨)أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩)ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١)وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣)إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤).   لو أراد أحدنا أن ينصح ابنه بجوامع القول وأعلى المقاصد فما تراه يسدي له..؟ قد تقول انّ الأسوة في شخص الأب ينبغي أن تسبق الكلام ليكون للنصيحة مساغ ولباس صدق وتحري الافادة، وقد يقول آخر انّ خلاصة حسن الأسوة في الأب ليس بعدها نصيحة أبلغ وإيحاء أفعل وتأثير أزكى. هذا وذاك حق، ولكن دعوني أجيب على ما سألت.. لقمان الحكيم رجل اهتم القرآن الكريم بسيرته أجل اهتمام في مدار تربية الأبناء واخلاص النصح لهم، ولعل اشادة إحدى سور المصحف بهذا الموجه وتخليد ذلك إلى يوم القيامة بين دفتي كتاب الله ليستهدي به المؤمنون فيما يستهدون به من خير الهدي المسطور في الثلاثين جزءاً لأوضح دليل على أن ما أسداه لقمان لإبنه من النصائح يعتبر فريداً في موضوعه. ولو استقصينا هذه النصائح لوجدناها كثيرة وكل واحدة منها زكية تفيض بالخير والحق والهداية إلا أنّ الذي شد انتباهي إليه هو بضع جمل قصيرة وجدتها لو قيلت وحدها نصيحة من كل أب إلى كل ابن لوسعت الاثنين في التربية والتبليغ واغنت أي اغناء من أب حسن الأسوة لابن جيِّد التلقي كالحبة تتفاعل مع أسباب الحياة في المنبت الكريم. "يا بني أقم الصلاة".. أقم عمود الصلة بينك وبين الخالق جل ثناؤه، لقد ابتدأ نصائحه برأس الأمور.. وانها ليست "أقم" فحسب، انها كلمة تتضمن في معرض الإيجاز الجميل هذا كل ما يقتضيه اقام الصلاة من خلوص النية وجمال التوجه واتقاد الذهن واستحضار المعاني وإبداء الخشوع. نعم انّها صلة بالخالق عزّ وجلّ وليست أفعالاً لرياضة الجسم.. صلة يتكرر فيها الحضور في رحاب الله أداء لحق العبادة وتتوالى فيها المناجاة من العبد الضئيل إلى الإله العظيم محملة بكل معاني الصدق والافتقار والتقرب وإلتماس دوام التوفيق للحسنى وابتغاء الرضى وحسن القبول. لو أحاط المؤمن بمعنى الصلاة واستحضر مدلولها باستمرار وأوفاها حق قدرها لحرص عليها كالأنبياء، ألم يكن رسول الله (ص) ينتظر وقتها بلهفة ويكثر من النافلة..!؟ لأنّه يعرف جيِّداً إلى من يتوجه بها..! ولو كنت ممن يدخل على الملوك والرؤساء بكثرة لعرفت سر ذلك الاهتمام النبوي بالصلاة مع الفارق الهائل بين لقاء عبادة يمثل فيه المؤمن أمام رب العالمين ولقاء غير مقدس يقف فيه الإنسان أمام مخلوق مثله..! "وأمر بالمعروف".. ان تأمر بالمعروف فمعنى هذا انك مؤتمر بالمعروف متسربل بكسائه متجمل بفضائله معتز بقيمه لا يهتز إيمانك به، بعد هذا الاستعداد يحسن أداء الرسالة بين الناس في الأمر بالمعروف ويجد الأداء من يصغي له تلقياً ويفكر به تأملاً ويتجاوب معه اقتناعاً. أي نفس عظيمة تلك التي تأخذ على عاتقها رسالة نشر المعروف بين عباد الله وبالأساليب التي تحببه إليهم وبالأوضاع التي تشجعهم عليه..!؟ انها النفس الممتلئة فعلاً كل الامتلاء بمزايا المعروف، النفس المتصلة أسمى الاتصال بربها..! ومثل هذه النفس تظهر عظمتها بكل جلاء في المجتمعات التي يشح أفرادها بالفلس على بعضهم وهم بما هو أكبر من الفلس أشح، المجتمعات التي يتقاتل أفرادها على ما هو تافه ويدمر بعضهم بعضاً لأجل مطمع حقير. انّها النفس التي غسلت فيوض المعروف كل أدرانها وطهرت ساحتها من الرذائل والقبائح والآصار.. تأمر هذه النفس بالمعروف ولا تلاقي أحياناً ممن تسدي إليهم المعروف إلا الصدود والنكران لاسيما في مثل المجتمعات المشار إليها التي يعز على أفرادها الجود بالفلس، ورغم هذا تظل عزيمة النفس الآمرة بالمعروف قوية لا تنكسر ولا تلين بل تزداد اصراراً على أن يأخذ المعروف مجراه بين فاقدي فضائله، ومن هنا يظل صاحبها يفكر ويدرس عله يتوصل إلى أسلوب انفع وبرهان أسطع ليعاود الكرة وهكذا. لماذا لا يكل..؟ لماذا لا يصاب بالخيبة..؟ لماذا يزايد اصراره على نفع الجاحدين..؟ لأنّه يعتقد أنّ ما يقوم به هو عبادة، بل أسمى مراتب العبادة تلك التي لا يقصر فضلها على نفسه وانما يشمل به الآخرين ولو قابلوا صنيعه بالجحود والفظاظة والعدوان..!! "وانّه عن المنكر".. الأمر لا يتوقف عند إشاعة المعروف وانما يرتبط به النهي عن المنكر لإخلاء الطريق أمام المعروف من العوائق والادران رغم ما قد يستدعيه من مقارعة أعتى الناس واحتمال أشد الإيذاء وأقسى العذاب.. والأساليب كثيرة تبدأ باللين ولا تنتهي بالقوة حتى يزال المنكر ويكون المعروف سائغاً للجميع. لا فرق بين أن تقيم الصلاة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كلها في العبادة سواء ولست مخيراً في أن تنتقي منها السهل المريح وتترك الصعب الثقيل.. انّ الله تعالى رحيم بعباده فلا يريد بذلك تعذيبهم وانما أن يتيح للمؤمن باحتمال هذه المهام واشاعتها بين الناس أن يكون طرازاً من البشر رفيع المستوى. "واصبر على ما أصابك".. معنى هذا أن تتوقع الصعاب ابتداء وتنتظر المكاره وأن تستعد لتوطين النفس على مواجهتها والصبر على كل ما تتأذى منه مهما تبلغ شدته لأنّ الصبر مطلوب في الطراز البشري الرفيع كما أقام الصلاة كما الأمر بالمعروف كما النهي عن المنكر. الإنسان الصابر على كل ما يصيبه يختلف تماماً عمن لا صبر له فهذا الأخير لا صبر له بالتأكيد على أداء لوازم الصلاة ولا صبر له أيضاً على متطلبات الأمر بالمعروف ولا صبر له كذلك على شدائد النهي عن المنكر. ومن هنا فإنّ فضيلة الصبر عظيمة بين الفضائل، وعالي المرتبة هو الإنسان الذي يقول ويطبق وينصح أخوانه بما التزم هو به، بل ويتلقى منهم أشد المكاره فلا تتكدر نفسه وانما يستقبله بإعطاء العذر لغيره ثمّ يعاود الكرة معهم متهما نفسه بعدم التوفيق وبالتقصير في أسلوب إيصال المعروف إلى الآخرين أو إبعادهم عن المنكر ويدعو ربه أن يسدد خطاه وأن يرزقه حسن العبادة في أحواله كلها سواء كانت صلاة أو أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر أو صبراً على ما يصيبه. "ان ذلك من عزم الأمور".. هكذا يكون العزم لمن أراد أداء رسالة في الحياة، وهو بعد أن يحكم أمره هذا الأحكام لا محالة أن يعطي عمله كل الثمار بإذن الله تعالى لأنّه هيأ لمواجهة الأمور ما تستحقه من كفاية استعداد وصدق تعامل في أداء المهام لا يستحوذ عليه طمع ولا يستولي عليه هلع إنما الشأن عنده فوق ذلك لأنّه في أوقات عبادة وأفعال عبادة بل انّ العمر كله في عقيدته هو ميدان عبادة. هناك من يعتبر لقمان نبياً ومن يعتبره أحد الصالحين ولكن أيّاً كان الرجل فلا خلاف في انّ الله تعالى اختار أقواله في التربية والتبليغ لتكون قبس نور يستهدي به اتباع سيدنا محمد (ص) فيما يستهدون به إلى يوم القيامة بعد ان قال عنه (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) (لقمان/ 12). الله العزيز الحكيم يقول انّه أعطى هذا العبد الصالح الحكمة، فتأمل أي حكمة تكون تلك الممنوحة من خالق الحكمة ورب الحكماء..!! (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الألْبَابِ) (البقرة/ 169). أي وصف تستحقه نصائح لقمان أكثر من تزكية ربنا..!؟ إنّ كلمات هذا الرجل التي نصح بها ابنه رغم انها قليلة العدد ومحصورة بين دفتي آية قد لخصت رسالة كبرى في الحياة، والمتمعن فيها يجد انها ليست مجرد كلمات وانما هي فيوض تجارب وحكمة وإيمان منسقة بما يؤدي إلى فاعليتها عند المحك. كلمات قليلة العدد فيها الغناء كله كما رسالة الأنبياء فيها الغناء كله.. ذلك تعليم قرآني لنا ان نصحنا وان بلغنا وان ربينا وتبصير لنا بجوامع القول السديد الناضج المغني الفعال. آية لا تتجاوز السطرين فيها الهداية والنور قد ضمنا لأولي الألباب إلى آخر الزمان فوق الأرض.. أو ليس هو الذكر الحكيم..!؟ (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود/ 1)، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم/ 1). (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر/ 23).   المصدر: كتاب الله يخاطب العقول

ارسال التعليق

Top