• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آثار الغضب

آثار الغضب

 

◄أوّلاً: تأثير الغضب في العقل والصحة:

ورد في حديث نبوي صحيح وَصْفُ النبيّ (ص) للغضب أنّه جمرة من النار، فقد روي عن النبيّ (ص): أنّه قال: "ألا إنّ الغضب جمرة توجد في قلب ابن آدم، ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟!".

والحديث النبوي يشير إلى أنّ الغضب إذا سيطر على المرء يكون كالنار التي اشتدّ اضطرامها، وبالتالي فإنّها تعمي صاحبها عن كلّ موعظة، وتطفئ نور العقل، ويصبح الدماغ وقت الغضب مثل كهفٍ أُضرمت فيه النار.

قال أحد الحكماء: "لو لم يكن في الغضب خصلة تُذَمُّ إلّا إجماع الحكماء قاطبة على أنّ الغضبان لا رأي له، لكان الجواب عليه: الاحتيال لمفارقته بكلِّ سبب".

ويقول دانيال جولمان (أحد علماء تطوير الذات): "إنّ شدة الانفعال يمكن أن تعطِّل الوظائف العليا للمخ، فتجعل التفكير المنطقي مستحيلاً، فمعظمنا يعلم أنّه من الأفضل أن لا يتخذ أي قرارات مهمة عندما يكون المرء غاضباً أو خائفاً للغاية".

"التوتر يسدُّ الطريق على قدراتنا الذهنية، والذهن العاجز عن التصرف يؤدي دائماً أداءً دون المستوى".

وهم بذلك يوافقون على ما قاله علماؤنا القدماء؛ بأنّ الغضب يؤدي إلى إعاقة العقل عن التفكير السوي.

أما التفسير العلمي لحدوث ذلك: أنّ الغضب والانفعال يؤديان إلى إفراز مادة تسمى "الإدرينالين"، وتفرز هذه المادة في الدم من الغدتين الكظريتين فوق الكليتين، كما أنّ الكبد في المقابل يفرز كميات من السكر تساعد على الاحتراق، وهذه منّة من الله تعالى على الإنسان بأن جعل الأعضاء تفرز تلك المواد لتساعد الجسم على احتمال الموقف الذي يتعرض له، من هنا فإنّ تغيرات كثيرة تحصل في جسم الإنسان، فيزداد التنفس، وتزداد حركة الاحتراق، ويرتفع ضغط الدم، وتزداد ضربات القلب، فالجهاز العصبي عند الغضب يعمل بأقصى طاقة له، لذلك فإنّ استمرار حالة الغضب لفترة طويلة تسبب الكثير من المشكلات في الجهاز العصبي والأعضاء والعضلات.

وقد وصف الأطباء الحالة وصفاً دقيقاً فقالوا: إنّ الجسم في حالة الغضب يسخن، وتتوتر العضلات، ويخفق القلب، وتصبح الأفكار خارج السيطرة، وقد يؤدي ذلك إلى آلام عضوية كالشدِّ العضلي، والتشنجات العصبية، وضيق النفس، ومشكلات هضمية، ومشكلات في الدورة الدموية والقلب.

ويؤيد ماورد في الحديث النبيّ أنّ الغضب يوقد في فؤاد ابن آدم ما قاله هلموت بينشي: "في حالة الغضب يغلي الدماغ، ويتضرم الوجه، وتتقلص العضلات، وإذا دامت الحالة تصبح مصدر إجهاد يسبب قروحاً في المعدة، وارتفاعاً في ضغط الدم، ومشاكل جسيمة".

 

ثانياً: تأثير الغضب على شكل الإنسان وتصرفاته:

إنّ تغيرات كثيرة تحصل على شكل المرء عند الغضب؛ منها ما ذكر في الحديث النبويّ من تغير لون المرء، وشدة ارتعاد الأطراف، وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى إنّه في بعض الأحيان يظهر الزبد على الأشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخِلقة، لذلك قال الإمام الغزالي – رحمه الله –: "لو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه، حياء من قبح صورته واستحالة خِلقته".

أمّا أثره في اللسان، فقد ينطلق اللسان بالشتم والفُحش من الكلام، وقد تصدر من المرء أقوال يستحيي منها صاحب العقل.

لذلك فقد حذّر النبيّ (ص) من الدعاء في ساعة الغضب؛ لأنّ المرء قد يصدر منه ما لا تُحمد عقباه؛ كأن يدعو على نفسه أو أبنائه؛ فقال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم".

وقد يترجم الغضب أحياناً إلى أكبر من ذلك، فيستخدم المرء عند غضبه أعضاءه للتعبير عن الغضب؛ كالضرب، والإيذاء، وقد يؤدي ذلك إلى جنايات على النفس والأعضاء.

 

ثالثاً: الآثار النفسية:

أما الآثار النفسية فهي كثيرة، فكثيرو الغضب يتعرّضون لنوبات من الاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس نتيجة فقدانهم لمن حولهم من الأصدقاء والأقارب، وكثيراً ما يشعرون بالخوف والشعور بالذنب لما يرون من أنفسهم من نقص الكفاءة، ويدخل بعضهم في حالة من الانطواء والانعزال عن الأصدقاء والأسرة، وكثير من هؤلاء يتعرّضون لحالة من مقت النفس والشعور بالدونية، ومنهم من يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره نتيجة لنوبات الغضب الدائمة، وبدلاً من ذلك يتجه مثل هؤلاء إلى الصراخ والبكاء، وهذا ما يفضي بهم إلى الدخول في حلقة مفرغة في علاقاتهم مع الآخرين، فيكونون في حالة شك وكراهية للغير، وهذا الأمر يزيد من حالة الهيجان والغضب والتوتر لديهم.

وقد لخصت المدرِّبة المتخصصة في مجال الخدمة الاجتماعية النفسية (جيل لندنفيلد) أهم الآثار النفسية للغضب بما يأتي:

1-  الاكتئاب: ولا تقصد بذلك الكآبة العرضية التي تحصل بسبب انحراف المزاج قليلاً، أو الشعور المؤقت بالحزن الذي يشعر به الإنسان نتيجة خسارة شيء ما، وإنما تقصد بذلك الحالة العقلية التي تستمر لفترات طويلة وتجعل الشخص يشعر وكأنّه يعيش في سحابة سوداء أو حفرة سوداء عميقة، فتكون كلماته يائسة عن نفسه وعن العالم الذي يحيط به.

2-  إذكاء عقدة الاضطهاد والتحامل ومواقف العداء ضد الآخرين.

3-  الدخول أحياناً في حالات من الهَوَس أو الرهاب الاجتماعي.►

 

المصدر: كتاب لا تغضب.. فن إدارة الغضب

ارسال التعليق

Top