• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التفوّق.. فرصة متاحة للجميع

التفوّق.. فرصة متاحة للجميع

◄يجب أن نكتشف نقاط قوّتنا ونفعّل هذه النقاط، فبتفعيل هذه النقاط، مهما كانت نقاط الضعف كثيرة، يمكن للإنسان أن ينمو وأن يكون نابغة في ذلك البُعد

وجود التفوّق في الموجودات هو مقتضى النظام الأتمّ، فإذا لم يكن هنالك تفاضل ولا تفاوت ولا اختلاف، لكانت جميع الموجودات مثل منتوجات المعامل.

يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان ينبغي أن لا يفكِّر أنّ العباقرة هم وحدهم المتفوّقون، وإنّما بامكان كلّ إنسان أن يكون متفوّقاً ولكن في بُعد من الأبعاد

يدور هذا المقال حول ظاهرة التفوق ونتحدث حول هذه الظاهرة في ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: عمومية هذه الظاهرة

إنّ ظاهرة التفوّق في الموجودات ظاهرة عامّة تعمّ جميع الموجودات، ابتداءً من الجماد ومروراً بالنبات والحيوان وانتهاءاً بأفراد البشر، وهذه الظاهرة توجد في جميع هذه الموجودات، كمثال الجماد فيه تراب وفيه المعادن الغالية، ربّما يكون التراب ليس ذا قيمة بينما اللؤلؤ يُشترى منه مثقال واحد بالآلاف أو بالملايين، لذا خلق الله تعالى الجماد في درجات وفي طبقات، والنبات كذلك، يشير الله تعالى إلى هذه الحقيقة في القرآن الكريم ويقول: ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ﴾ (الرّعد/ 4)، مع أنّ الأرض والتربة والماء والمناخ واحد، ولكن هذه النباتات يختلف بعضها عن البعض الآخر في المذاق وفي الطعم وفي الجودة، وكذلك الحال في الحيوان، والبشر أيضاً، وحتى الأنبياء والأئمّة وهم قمة، فقد فضّل الله تعالى بعضَهم على البعض الآخر، يقول الله تعالى: ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (الإسراء/ 21)، والمعروف بيننا أنّ أفضل الخلق كافة هو خاتم الأنبياء (ص) ثمّ بعد ذلك الأئمّة الطاهرون والصديقة الطاهرة (ع) فيهم درجات.

الفصل الثاني: فلسفة هذه الظاهرة

لماذا ظاهرة التفوّق؟ وما هي حمكتها؟ وما هي العلة الكامنة من ورائها؟

الجواب على ذلك على نحو الإجمال: أنّ وجود التفوّق في الموجودات هو مقتضى النظام الأتمّ، فإذا لم يكن هنالك تفاضل ولا تفاوت ولا اختلاف، لكانت جميع الموجودات مثل منتوجات المعامل، كلّها على نحو واحد وبكيفية واحدة، يعني ثوب على نحو واحد لا يختلف بعضه عن البعض الآخر، فإذا تكون جميع الموجودات على نحو واحد وعلى نمط واحد فهذا يكون خلاف النظام الأتمّ وخلاف النظام الأكمل.

لنأتِ بمثال لتقريب الفكرة، لاحظوا: إنّ أعضاء البدن متفاوتة - مثلاً- هذه العين مركّبة من خلايا رقيقة ودقيقة إلى أبعد الحدود، بينما العظم في البدن شيء خشن وصلب، فإذا كان كلّ البدن عظماً وخشونة ما كان بدناً كاملاً وتاماً، أو كان كلّ البدن كالعين مركّباً من الخلايا الدقيقة والرقيقة، هل يكون كاملاً، فالبدن يحتاج إلى العظم ويحتاج إلى الغضروف ويحتاج إلى اللحم ويحتاج إلى الشحم ويحتاج إلى الشعر ويحتاج إلى الخشن ويحتاج إلى الناعم ويحتاج إلى كلّ شيء حتى يكون بدناً كاملاً يؤدِّي الدور المطلوب منه، هذا التنوّع هو الذي يوجد الإنسان الكامل.

وهكذا إذا فرضنا أنّ هنالك رسّاماً ماهراً يريد أن يرسم لوحة، هذه اللوحة تحتاج إلى اللون الأحمر والأخضر والأصفر وأشكال متنوّعة وألوان متنوّعة، بعضها صغير وبعضها كبير، وبعضها واضح وبعضها خافت، أمّا إذا كان يأخذ اللون الأخضر ويرسم به اللوحة كلّها، فهذه لن تكون لوحة فنيّة، لأنّ طفلاً ربّما يتمكّن من هذا العمل، يأخذ اللون الأخضر ويلوّن به الورقة، اللوحة الفنيّة الكاملة تحتاج إلى كلّ شيء.

والحياة تحتاج إلى ماء وإلى هواء وإلى نبات وإلى تراب وإلى بشر مفكّر وإلى بشر عامل. كان هنالك أحد الأفراد لديه حالة التردّد، وهي حالة موجودة لدى بعض الأفراد في الأُمور، في كلّ الأحوال فإنّ الفرد المتردّد لا يمكن أن يكون مديراً، فالمدير يجب أن يكون قاطعاً، والإدارة بحاجة إلى قاطعية، فيما المتردّد عادة لا يلاحظ بُعداً واحداً ويسير في ذلك البُعد، بل ينظر لكلّ الأبعاد؛ ليحيط بجوانب الأُمور وما فيها من التعادل والتراجيح، فتأخذه حالة التردّد، هذا الرجل كان يقول: إنّي وإن لم اتمكّن أن أكون مديراً، ولكن تمكّنت أن أكون مستشاراً، لأنّ المستشار يشير على مَن استشاره بجوانب الأُمور، بما فيها من المُعطيات والسلبيات والإيجابيات، فتمكّن أن يكون مستشاراً ناجحاً في شركة.

إذن، فالحاجة قائمة إلى الجميع، فالحاجة إلى الفقيه وإلى الرياضي وإلى العامل وإلى المخطّط وإلى التاجر و... غيرهم، وإذا كان الجميع على نمط واحد لما كانت تقوم الحياة.

هذا إجمال الجواب عن هذا السؤال والتفصيل بحاجة إلى مجال آخر.

الفصل الثالث والأخير: نسبية هذه الظاهرة

هذه هي إحدى المشاكل الكبيرة، حيث يظن الأفراد أنّ التفوّق ذو بُعد واحد، وأنّه شيء مطلق، كلا؛ إنّ التفوق ليس كذلك، على الأغلب لم يجعل الله تعالى التفوّق مطلقاً، ولم يجعله في جميع الأبعاد، إنّما يعطي سبحانه وتعالى التفوّق في جانب دون جانب آخر، مثل البلاد التي نشاهدها، فيعطي لبلد المناخ الطيِّب والجيِّد، لكن من دون ثروة، ومن دون نفط، فيما بلد آخر يعطيه الله تعالى النفط ولكن لا يعطيه المناخ الجيِّد، فهذه نقاط القوّة غير متمركزة في بلد واحد وإنّما موزّعة على بلاد متعدّدة.

لذا يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان ينبغي أن لا يفكّر أنّ العباقرة هم وحدهم المتفوّقون، وإنّما بإمكان كلّ إنسان أن يكون متفوّقاً ولكن في بُعد من الأبعاد، يعني ربّما يكون الواحد ذكياً جدّاً، والذكي هو الذي يستوعب المسائل بسرعة فائقة، ومَن يعيش مع إنسان ذكي يرى أنّه لا يتمكّن أن يكون مثله، لأنّه فاقد لنِّعمة الذكاء، ولكن هذا خطأ، فيمكن أن يكون ذكياً، ولكن لا يكون دقيقاً، كما يمكن أن أكون دقيقاً وإن لم أكن ذكياً، وبهذه النقطة، نقطة الدقة يمكن أن أكون متفوّقاً، ولذلك إذا تلاحظون العباقرة والنوابغ في التاريخ، تجدون أنّ جميعهم لم يكونوا أذكياء.►

ارسال التعليق

Top