• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الفقه الإسلامي ومتطلبات التجديد والتطبيق

الشيخ عبدالكريم سلمان

الفقه الإسلامي ومتطلبات التجديد والتطبيق

مها اختلف المسلمون بشأن هذه الفكرة أو تلك من العقيدة، أو بشأن هذا الفرع أو ذاك من الشريعة، فإنّهم لا يختلفون بشأن الفكرتين التاليتين:

1- صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وبالتالي قابليته على استيعاب المتطلبات الزمانية والمكانية المتغيرة من زمان ومكان إلى زمان ومكان آخرين. 2- كون الإسلام نظاماً شاملاً للحياة، ولازماً للتطبيق. وقد توافر لصالح هاتين الفكرتين عدد كبير من النصوص الشرعية، بحيث اصبحتا تتسمان بوضوح مطلق بين علماء المسلمين من المذاهب الإسلامية كافة، ولم يخالف فيهما إلا الشواذ، مثل النجدات، وهم فرع شاذ من فرقة شاذة – الخوارج – حيث آمنوا بعدم لزوم الإمامة لا على الله – بالنص – ولا على المسلمين – بالشورى – وقد تابعهم في ذلك شواذ من عصرنا سلكوا – إلى انكار هاتين الفكرتين الأساسيتين في الإسلام – مناهج تاريخية زائفة تارة ومناهج فكرية أوربية تارة أخرى، محاولين من وراء ذلك احتجاز الإسلام في مقطع زمني منصرم أو في شعبة جانبية من الحياة وصولاً إلى واقع مفتوح أمام كل الإرادات إلا الذات الإسلامية الأصيلة. ومن الطبيعي أن تترتب على هاتين الفكرتين اللتين تمثلاً أبرز ضرورات الإسلام جملة من النتائج والآثار التي لابدّ من الالتزام بها والاستجابة لمتطلباتهما بدرجة الإيمان نفسها. فعندما يؤمن المسلم بصلاحية الإسلام لقيادة الحياة في كل زمان ومكان يجب أن يكون منسجماً مع نفسه على صعيد التطبيق، وأن لا تعتريه التجزيئية بين النظرية والتطبيق، فالإسلام والواقع العملي للحياة لا يسمحان للإنسان بأن يؤمن بشيء ثمّ لا يطبقه أو لا يلتزم بلوازمه التطبيقية. إنّ أهم ما يترتب على قانون صلاحية الإسلام لقيادة الحياة في كل زمان ومكان من آثار، هو أن ترافق المجتمع الإسلامي حركة فكرية وثّابة وخلاقة، مهمتها مراقبة المجتمع ودراسة التطورات والمتغيرات التي تطرأ عليه وتقديم الأطروحات والمعالجات الكفيلة بحفظ أصالة المجتمع وطراوته معاً. وعدم السماح للمتغيرات أن تتراكم وتتحول في لحظة تالية إلى قوة تدفع بالمجتمع نحو الانفلات من قبضة الإسلام وحكمه. وهكذا يؤدي بنا القانون المذكور إلى ضرورة جديدة هي ضرورة أن يكون المجتمع الإسلامي في أعلى ما يمكن من النضج والإنتاج الفكري، وهذه في تصورنا أحد روافد الحركة الفكرية في المجتمع الإسلامي تلك الروافد التي يمكنها – لو يحسن المسلم توظيفها – أن تنتج أعلى وأنضج حركة فكرية عرفها ويعرفها الإنسان. ويمكننا أن نتلمس صورة وأبعاد هذه الحركة عندما نقرأ الحديث النبوي المعروف "إنّ لله في كل عصر حجة قائمة يرد كيد الخائنين وإنّ على رأس كل مئة مجدداً للدين". فسواء تم هذا الحديث من الناحية السندية أم لم يتم فإن مضمونه منسجم تماماً مع قانون صلاحية الإسلام لقيادة الحياة في كل عصر ومصر فنظام المجتمع يتكون من أصول ثابتة وفروع متغيرة. وهذه الفروع – وبحكم طبيعتها المتغيرة – تحتاج إلى تجديد متواصل وصلاحيتها للحياة ليست أبدية. وإذا لم يقم المجتمع بتجديدها فإنّ بقاءنا سيؤدي إلى فساد النظام الاجتماعي بأكمله، ومن ثمّ نسبة هذه النتيجة زوراً وبهتاناً إلى الدين نفسه. ومن هنا لم تكن وظيفة المجددين منحصرة بمكافحة التحريف والتزييف المسلّط على الدين من الخارج فحسب، بل هي تجديد شبكة المتغيرات الداخلية في النظام الاجتماعي الديني. بإزالة الشبكة السابقة المنقضي أمدها وإنتاج شبكة جديدة طبقاً لأصول ومواصفات الشرع. ومن هنا أيضاً كانت الوظيفة التجديدية متواصلة وعلى رأس كل قرن. ولعلّ التجديد بالقرن كناية عن الاستمرار في التجديد، وليس الغرض منه تحديد فترة زمنية معينة. فقد تزدحم فترة زمنية قصيرة بعدد هائل من المتغيرات التي تتطلب التجديد وقد تمر على الإنسانية فترة طويلة تقلُّ فيها تلك المتغيرات. وللتطبيق متطلباته أيضاً، فإنّ تحكيم الإسلام في واقع الحياة يجعله أمام ساحة واسعة الابعاد مترامية الأطراف كثيرة الأجزاء والتفاصيل الصغيرة، بشكل تتطلب معه كمّاً هائلاً من الحلول والإجابات التي يفترض بحملة الدين انتاجها وتهيئتها في اللحظة المطلوبة.   - المسلمون وتجربة الدولة: إنّ الإسلام اسمى من أن يمتحنه البشر. وقد أثبت ولا يزال يثبت جدارته وقابليته على قيادة الحياة والامتداد معها عمودياً – في الزمان – وافقياً – في الأرض – إنما الامتحان هو امتحان المسلمين الذين ينبغي عليهم إثبات قدرتهم على إقامة الدولة الإسلامية وتغذية حاجاتها الفكرية المطلوبة على الصعد المختلفة، وأهم هذه الحاجات تأصيل المتطلبات العصرية على وفق المنهج الإسلامي، بحيث لا يختل جانب الأصالة، ولا يضعف جانب المعاصرة. والعثرة التي يجب تجنبها الآن هي الإيمان بقانون صلاحية الإسلام للدولة وقيادة الحياة العصرية من جهة وعدم التجاوب مع المتطلبات الفكرية الجديدة لهذه الدولة والقيادة، كأنّنا نطبق عملياً نظرية النجدات من جهة ثانية فيتنافى لدينا الفكر مع الواقع والنظرية مع التطبيق. وحيث يمثّل الفقه الوجه الفعّال من الحركة الفكرية الإسلامية المطلوب تحفيزها وتنشيطها باستمرار فإنّ الوظيفة تقتضي اعطاء اهمية خاصة للفكر الفقهي الذي يمتاز بإمكانات جيدة وكافية للنمو والارتقاء، ليكون قادراً على النهوض بأعباء المرحلة الجديدة والاستجابة للمتطلبات الجديدة على قاعدة متينة من الأصالة والثبات. ولأجل الإيفاء بهذا المطلب الحيوي، لابدّ من أن تنعكس ضرورات التجديد والتطبيق على سياقات التدريس والبحث الفقهي.   المصدر: مجلة التوحيد/ العدد 80 لسنة 1996م

ارسال التعليق

Top