• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

روح الطلاق في الإسلام

عفيف عبدالفتّاح طبّارة

روح الطلاق في الإسلام

◄قد أباح الإسلام الطلاق مع ذمه والتنفير منه. فقد روي عن النبي (ص) أنّه قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"[1].

وليس الطلاق كما يظن البعض أنّ للزوج المسلم أن يطلق زوجته تبعاً لهوى النفس، فهذا تشويه لشرعة الطلاق في الإسلام.

فالقرآن يشير إلى عدة أسباب تجعل الطلاق ضرورة ولكنه لا يحصيها، ولا يحصرها في حوادث معينة، والأُمم الغربية التي أقرت الطلاق لم تتفق على أسباب الطلاق، فكيف يستطاع في دين عام كالإسلام جاء لعصور مختلفة وأمم متباينة في الرأي والحضارة أن يحصر أسباب الطلاق التي تتبدل وتتغير حسب الأزمنة والأمكنة وطبيعة البشر؟

وبواعث الطلاق الواردة في القرآن هي: رغبة الزوجين الحقيقية في الانفصال وعدم المعاشرة، والقرآن لا يعني أنّ كلَّ خلاف ينبعث عنه الطلاق. وإنما الذي يعنيه هو دوام الشقاق الذي تستحيل معه العشرة الزوجية، وقد سمى الله هذا الخلاف – شقاقاً – ومعنى الشقاق: الانقسام إلى شقين:

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء/ 35).

ففي هذه الآية ساوى القرآن بين الرجل والمرأة في هذا الشأن، فلفظ (شقاق بينهما) يعني أنّ كلاً من الزوجين يحقّ له أن يطلب فسخ الحياة الزوجية، ويعني أيضاً استحالة معاشرة أحد الزوجين للآخر، كأن يكون الشقاق من سوء سيرة أحدهما، أو يكونا متنافرين في الطباع.

ثمّ إنّه في حالة الشقاق نفسه لا يجوز فصم عرى الزوجية مباشرة بل لابدّ أوّلاً من القيام باصلاح ما بين الزوجين، واجراء التحكيم قبل الطلاق بإرسال حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة، ليتروى كلّ من الزوجين ويجدا فرصة للصلح ورجوعهما عن رأيهما كما نصت الآية السالفة الذكر: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) (النساء/ 35).

فالآية تشعرك بأنّ على الحكمين أن لا يدخرا جهدهما ووسعهما في الاصلاح، ومن روعة الآية أيضاً أنها لم تذكر التفريق عند عدم التوفيق بل اكتفت بذكر أنّ الحكمين إذا كانت نيتهما منصرفة إلى الجمع بين الزوجين فإنّ الله يمهّد لهما أسباب التوفيق.

إذن لا يكون الطلاق إلا عند استحكام النفرة بين الزوجين، ولكن من الذي يملكه؟ أيملكه القاضي؟ أم يملكه أحدهما منفرداً؟ أم الزوجان معاً؟

 

الطلاق من حقِّ الزوج:

جعل الإسلام الطلاق بيد الزوج ولم يجعله في يد القاضي إلا إذا كان بطلب المرأة، ولكن قد يقول القائل: "إنّ الطريقة المثلى إذا كان الزوجان غير متفقين في أمر الطلاق أن يكون بيد القاضي ليس لأحدهما أن ينفرد به، لأنّ القاضي ناظر غير متحيز، ولأنّ العقد الذي ينشئ حقوقاً لازمة لا تبطله الإرادة المنفردة، ولأنّه لو جعل بيد أحدهما لانقصم العقد بنوبة غضب عارضة فإذا جاء الندم كان في غير وقته. وإنّ لذلك مكاناً من الفكر، قد أخذت به شرائع، ولكنه لا يستقيم إلا إذا كانت أمور النفوس وخفايا القلوب يمكن أن تثبت بالدليل الظاهري لأنّ القاضي لا يقضي إلا بما تثبته الإمارات والبينات، ثمّ إنّ القضايا إنما ينظر فيما هو حقّ أو ظلم ليقر الحقّ ويمنع الظلم، والمسألة في الحياة الزوجية ليست مسألة ظالم ومظلوم، وإنما هي صلاحيتها للبقاء بإمكان استمرار المودة، أو عدم صلاحيتها. فمثلاً إذا تقدم الزوج طالباً الطلاق لأنّه أصبح يبغض زوجته، وأنّ حبل المودة قد تقطّع بينهما، وأنّه حاول إصلاح الأمر – فلم يفلح – أفيطلق القاضي أم لا يطلق، لا شك أنّ الطلاق في هذه الحال أمر لابدّ منه، ولكن ما الفرق بين إيقاع القاضي الطلاق وإيقاعه هو، وإذا كان سبب الطلاق أمراً غير الحب والبغض فهل من المصلحة الاجتماعية أن تنشر دخائل الأسر في دور القضاء، وتسجل في سجلاته، ومنها ما لا يسوغ إعلانه..."[2].

 

حقُّ المرأة في الطلاق:

أما المرأة فلم يسوغ لها الطلاق إلّا بواسطة القاضي، وحكمة ذلك: أنّ المرأة تحكمها العاطفة، والعاطفة إذا سيطرت على الأمور الخطيرة قد تضر ولا تنفع، والطلاق من أخطر الأمور، وقد لوحظ أنّ النساء اللواتي يعطين حقّ طلاق أنفسهنّ يُسئن استخدام هذا الحقّ، ويطلقن أنفسهنّ لأتفه الأمور، وإنّ الرجل بما أنفق في سبيل الزواج من مال وبما أُلقي عليه من تبعات، وبما له من حرص على أولاده الذين ينتسبون إليه، وبما يعقبه الطلاق من عواقب ليفكر ويقدّر قبل أن يقدم عليه، فلا يندفع إلا إذا رجحت لديه عوامل الانفصال، ولو أننا جعلنا الطلاق بيد المرأة لكان في ذلك ظلم للرجل بضياع ما أنفق في سبيل هذا الزواج من نفقات مالية وإنها لكثيرة. فلم يكن للمرأة حقّ طلب الطلاق إلّا من طريق القاضي على شرط أن يقبل الزوج، وتعوّضه الزوجة بعض خسارته أو كلها – تلك الخسارة التي تلحق بالرجل من جراء الطلاق – وهذه العملية تسمى "الخلع": "رُوي أنّ امرأة ثابت بن قيس أتت النبي فقالت: يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر[3] في الإسلام، فقال رسول الله: أتردّين عليه حديقته – حديقة كان قد قدمها الزوج مهراً لها – فقالت: نعم، فقال رسول الله: إقبل الحديقة وطلقها تطليقة"[4].

ولكن هناك سؤالاً يتبادر إلى الذهن: إذا لم يرد الزوج أن يطلق زوجته فهل تستطيع المرأة أن تطلب من المحكمة الطلاق كحقِّ لها فيما إذا كان لديها سبب شرعي؟

الجواب على ذلك: إنّ الإسلام سوّغ للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا كان عاجزاً عن النفقة، وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك وأصحابه مستدلين بقول الرسول (ص): "امرأتك ممن تعول، تقول أطعمني وإلا فارقني"..

ومن الأسباب أيضاً التي تسوغ للمرأة طلب التطليق: إذا وجدت بالزوج عيباً مستحكماً لا يمكن البرء منه، أو يمكن ولكن بعد زمن طويل، ولا تقبل المقام معه: كالجنون والجذام والبرص.

وكذلك يسوغ للمرأة طلب الطلاق: إذا غاب الزوج سنة فأكثر – كما جاء في (المدونة) في المذهب المالكي – فيكتب للزوج الغائب إن كانت تبلغه الكتابة: إما أن يقدم، أو ينقل زوجته إليه، أو تطلق عليه، فإن امتنع عن ذلك ضرب له أجل، فإذا انقضى الأجل فرّق القاضي بينهما، فإن لم تبلغه المكاتبة طلق عليه لتضررها بترك العشرة الزوجية. أما إذا ارتضت الزوجة إبقاء عقدة الزواج رغم هذه الأسباب فإنّ الزواج يبقى مستمراً.

 

حوافظ تمنع الطلاق:

جعل الإسلام الطلاق بيد الزوج ولم يجعله من حقِّ القاضي إلا بطلب المرأة للأسباب التي ذكرناها، ولكن بالرغم من هذا أوصى الرجال بأن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف والصبر على ما يكرهون منهنّ، وأن لا يتسارعوا في الطلاق لأتفه الأسباب. قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء/ 19).

كما أنّ الإسلام نهى الرجال عن إيقاع الطلاق في الحيض، لأنّ الرغبة الجنسية تكون منقطعة بين الزوجين. روي عن ابن عمر: أنّه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله، فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال: "مُره فليراجعها، ثمّ ليمسكها حتى تطهر، ثمّ تحيض ثم تطهر، ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدّة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"[5].

والحكمة من ذلك: أنّ التطليق في الطهر تطليق في وقت تكون النفس راغبة تائقة إذا كان أصل المحبة ثابتاً، فإذا طلق مع ذلك كان دليلاً على استحكام النفرة.

ومن الحوافظ التي شرعها الإسلام: الإشهاد على الطلاق. قال الله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق/ 2). ولاشكّ أنّ حضور شاهدي العدل في الطلاق قد يحملان المطلق على مراجعة نفسه قبل إيقاع الطلاق. وقد قرر فقهاء الشيعة: أنّ الاشهاد على الطلاق شرط في وقوعه، كما أنّ الشهادة في الزواج شُرعت لانشائه، وانّ ذلك هو صريح في القرآن.

هذا وإذا قرر الزوجان بمحض اختيارهما الطلاق كان لهما ذلك، وهذا ما تسير عليه معظم القوانين الغربية المدنية.

الهوامش:


[1]- رواه أبو داود وابن ماجة.

[2]- (الأحوال الشخصية) قسم الزواج. للعلامة محمد أبو زهرة، الطبعة 2، ص278.

[3]- المقصود بالكفر هنا كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض.

[4]- رواه البخاري.

[5]- رواه البخاري ومسلم.

المصدر: كتاب روح الدين الإسلامي

ارسال التعليق

Top