• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في النوم آية

د. عماد إبراهيم الخطيب

في النوم آية
◄النوم منة، مَنَّ الله به على الإنسان فيه راحته، وتجديد لنشاطه، ولا يمكن لبشر أن يظل يقظاً لا ينام، لأنّ ذلك صفة الواحد القهار، لا يشاركه فيها أحد، فهو الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (النبأ/ 9-11). وفي هذا يقول صاحب في "ظلال القرآن": لقد كان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتاً – أي فقداً للوعي – يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط، ويجعلهم في حالة لا هي موت ولا هي حياة، تتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم، وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والاجهاد والانشغال بأمور الحياة، وفي النوم أسرار غير تلبية حاجة الجسد والأعصاب، أنّه هدنة الروح من صراع الحياة، هدنة تلم بالفرد فيلقي سلاحه طائعاً أو غير طائع، ويستسلم لفترة من السلام الآمن، السلام الذي يحتاج الفرد حاجته إلى الطعام والشراب. إنّ في النوم أمناً من الفكر والقلق، والخوف والانزعاج، فكلما استحوذ القلق على الإنسان، هبت نوبة الكرى فوق جفونه، فإذا بالنوم يزيل قلقه، ويذهب خوفه، فإذا استيقظ كان أكثر أمناً وأهدأ حالاً قبل نومه. يسن عند النوم أن يتوضأ الإنسان، ويقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي وآخر آيتين من سورة البقرة، وكذلك التسبيح والتحميد والتكبير، وأن يقول "باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، أن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" وليضطجع على شقة الأيمن رواه البخاري ومسلم. كما يستحب للمسلم حين يستيقظ من نومه أن يقول "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" رواه البخاري ومسلم. النوم هو حالة الراحة الطبيعية المألوفة التي يغيب فيها الوعي، والتي لم يكشف سرها تماماً حتى الآن، إلا أنّه يختلف عن الغيبوبة، لأنّ النائم يمكن إيقاظه بمنبهات بسيطة وسطحية كاللمس والصوت، أما في الغيبوبة فلا يوجد أي استجابة للمنبهات السطحية والبسيطة، ويعتمد هذا الأمر على مراحل درجات النوم كمرحلة النعاس "السنة" ثمّ النوم السطحي ثم الضغط في النوم، كما أنّه يعتمد على مراحل الغيبوبة، كحالة ما قبل الغيبوبة والغيبوبة السطحية ثمّ العقيمة.   -       مدة النوم: تختلف المدة اللازمة للنوم من إنسان لآخر، ويعتمد ذلك على عمر الإنسان، وعلى طبيعة عمله الذي يقوم به، فالوليد ينام حتى عشرين ساعة والطفل من 10-12 ساعة والبالغ 7 ساعات. ويجب أن تعلم أن مدة النوم تتناسب مع المستهلك من الجسم أثناء ساعات العمل، فالجسم المرهق يجب أن يعطى الراحة الكافية، وإلا ضعف وأصبح غير قادر على المضيّ في عمله، كما أنّ المريض يحتاج إلى مدة أطول من غيره للنوم، ليستعيد قوته ونشاطه.   -       قواعد يجب مراعاتها في النوم: نجمل هذه القواعد بما يلي: 1- لا ينام المرء قبل مضي ساعتين بعد الأكلة الأخيرة. 2- أن تكون غرفة النوم هادئة وبعيدة عن الضوضاء ومصادر الصخب والإزعاج، كما يجب أن تكون مهواة بشكل جيِّد. 3- أن يأخذ الإنسان حظه من النوم ليلاً لا نهاراً. 4- إظلام غرفة النوم أثناء النوم، فالضوء يفسد النوم، ومن ذلك يظهر خطأ تنويم الأطفال في حجر الجلوس أثناء استعمالها. 5- اجتناب قلة النوم أو كثرته. 6- تنظيم مواقيت النوم ليسهل تكوين عادة النوم بمجرد الذهاب إلى السرير. 7- أن يلبس الإنسان قميصاً خاصاً بعد أن يغسل وجهه ويديه وفمه وأسنانه. 8- النوم على الشق الأيمن.   -       كيفية النوم: يفضل أن يكون النوم على الشق الأيمن، حيث قال سيدنا محمد (ص) "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثمّ اضطجع على شقك الأيمن" والحكمة من ذلك أنّ النوم على الشق الأيمن يمنع ضغط الكبد على المعدة، ويساعد على تفريغ محتوياتها في الوقت المناسب، كما أنّه يسهل عمل القلب فيمنع ضغط المعدة، والحجاب الحاجز عليه، وبالمقابل فإنّ من ينامون على الشق الأيسر يستيقظون فجأة وهم يحسون أن قلوبهم توشك أن تتوقف عن العمل. أمّا النوم على الظهر فإنّه يسبب نقصاً في تروية الدماغ لانضغاط الأوعية المسؤولة عن تروية الدماغ، لذلك يكون النوم متقطعاً، فيصاب الشخص بالأرق وتكثر الأحلام المزعجة. وللنوم على الصدر ضرر، فإنّه يسبب انثناء فقرات الرقبة لأنّ النائم في هذا الوضع لابدّ من ثني رقبته إلى أحد الجنبين ليتمكن من التنفس، وقد نهى النبي (ص) عن النوم على الصدر، فقد جاء في الأثر أنّ النبي (ص) مرّ على رجل في المسجد منبطحاً على وجهه فنبهه وقال "قم واقعد فأنها نومة جهنمية".   -       النوم بعد الأكل: يفضل النوم بعد الغداء وبانتظام من نصف ساعة إلى ساعة، وفي ذلك فوائد، منها أنّ النوم بعد الغداء يعطي القلب فرصة للراحة، ويخفف الضغط المرتفع، كما يفيد في حالات الاضطرابات العصبية، ويزيد كفاءة المرء وانتاجه ذهنياً أو بدنياً، كما أنّه يمهد السبيل لنوم عميق أثناء الليل. ويفضل أن ينام الإنسان بعد ساعتين من تناول عشائه.   -       فوائد النوم: 1- النوم راحة للإنسان وتجديد للقوى العقلية والجسدية. 2- يعتبر النوم علاجاً للأرق. 3- يفيد النوم في التخلص من السموم. 4- يعتبر النوم علاجاً لبعض الأمراض كالأنفلونزا والاضطرابات العصبية. 5- النوم يريح القلب ويساعد على الهضم. وبالمقابل إذا لم ينم الإنسان ظهرت عليه علامات الاعياء والتعب، وتتضاءل كمية عمله ودقته، كما ينقص وزنه.   -       تأثيرات فسيولوجية أثناء النوم: يؤثر النوم على الجهاز العصبي فيثبطه، ويرخي العضلات، خاصة أن كمية الدم الواردة للدماغ تقل أثناء النوم. ويؤثر على القلب، فيقلل الضغط الدموي ونبضات القلب، وعلى جهاز التنفس كما يقلل من الحركات التنفسية، أما على جهاز الهضم فإنّه يقلل الحركات المعوية أي حركة الأمعاء، كما يؤثر على الغدد فيقلل افرازات الغدد إلا الغدد الجلدية فإنّه يزيد افرازها، أما حاسة الشم فتبقى ضعيفة. من هنا نرى أنّ النوم ضرورة من ضروريات تكوين الكائن الحي، وسر من أسرار قدرة الله، ونعمة من نعمه، لا يملك اعطاءها إلا الله وتوجيه النظر إليها على هذا النحو القرآني ينبه القلب إلى خصائص ذاته، وإلى اليد التي أودعتها كيانه، ويلمسه لمسة تثير التأمل والتدبر والتأثر. المصدر: مجلة هدي الإسلام/ العدد 28 لسنة 1984م

ارسال التعليق

Top