• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

البرنامج الأمثل في استثمار الوقت

البرنامج الأمثل في استثمار الوقت

◄في رحاب شهر رمضان شهر العبادة والتُّقى، ثمة أسئلة تفرض نفسها: كيف نستثمر هذا الشهر في الطاعة والعبادة، ثمّ إذا كان هذا الشهر هو شهر من الشهور فلماذا حاز كلّ هذه الفضيلة والشرف؟

على قيمة الزمن 

في البدء لابدّ لنا أن نبيِّن قيمة الزمان في الإسلام، فالزمان - كما نعلم - هو ظرف ووعاء لحركة الكائنات وهو متكوِّن من أجزاء، ثوان، دقائق، ساعات، أيّام، أسابيع، شهور، سنين، عقود، قرون.. وهو حركة مستمرة في دورانها لا تهمل ولا تمهل أحداً، فهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وهو أيضاً لا يتكرر أبداً ولا يعود إلى الوراء، من هنا قيمة الزمن وحاجتنا إليه، لأنّنا لا يمكن أن نعيش خارج الزمن، إنّ الزمان بحسب التصوِّر القرآني هو:

1- آية، كما أنّ اختلاف الزمن - ليل نهار- آية أيضاً، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) (الإسراء/ 12)، وفي آية أخرى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان/ 62).

 2- وهو نعمة عظيمة علينا أن نقدرها، ولذا أقسم الله تعالى بالزمان في أكثر من آية، فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 1-2)، وقال عزّوجلّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (الليل/ 1-2).

 وإذا كان الزمن آية ونعمة فهذا يحمّلنا مسؤولية، فنحن مسؤولون عن هذه النعمة، نعمة الوقت، وكلّ دقيقة تمر فإنّ علينا أن نستغلها ونستثمرها، ولكن كيف نستثمرها؟

استثمار الوقت

 الكثيرون منّا يحسنون استثمار أموالهم وإدارتها، فلماذا لا يحسنون إدارة الوقت؟

 لأنّنا مع الأسف متمرسون على الهدر، فكما نهدر المال نهدر الأعمار، وهدر العمر أخطر بكثير من هدر المال، فالمال يمكن تعويضه لكنّ الأعمار لا يمكن تعويضها، "ما أسرع اليوم من الشهر وما أسرع الشهر في السنة وما أسرع السنة من العمر".

وإذا لم نحسن استثمار الوقت فإنّنا سنسأل يوم القيامة عن هذا الهدر، "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه..".

 من دعاء الإمام زين العابدين (ع) في الصباح والمساء: "وهذا يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عتيد إن أحسنا ودعنا بحمد وإن أسأنا فارقنا بذم"، ولذا يطلب الإمام (ع) من الله قائلاً: "وارزقنا حُسن مصاحبته واعصمنا سوء مفارقته".

 فرصة التدارك

إذا ضيَّع الإنسان الكثير من عمره فهل من فرصة للتدارك؟

والجواب بالإيجاب، فباب التوبة والعودة إلى الله مفتوح حتى إلى النفس الأخير وإلى آخر لحظة من هذه الحياة، وعلى الإنسان أن لا ييأس من إمكانية التغيير وأن لا يسيطر عليه ماضيه فيسقطه، علينا أن نندم على ما ضيَّعنا من ماضينا ونتطلع إلى المستقبل "واجعل مستقبل أيّامي خيراً من ماضيها".

وإنّ شهر رمضان هو فرصة التفكير ومن ثمّ التغيير، والتفكير هو المدخل الطبيعي للتغيير، ولابدّ أن يبدأ التغيير بالنفس. فليكن شهر رمضان محطة للتأمّل والمحاسبة، وعلينا أن نقوم بـ(جردة حساب) وأن نسأل أنفُسنا: ماذا فعلنا فيما مضى؟ أين قصَّرنا؟ هل تقدَّمنا في علم أو عمل أو دين؟  إنّ المحاسبة ضرورية للتغيير، "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتجهَّزوا للعرض الأكبر".

والخطوة الأولى في نجاح عملية المحاسبة أن نقدِّر قيمة الوقت، وما تبقى من عمر، العمر رصيد، تماماً كما هو الرصيد المالي، والفرق بين الرصيد المالي ورصيد العمر أنّ رصيد المال يمكن أن يزيد كما يمكن أن ينقص، أمّا رصيد العمر فهو في نقصان دائم ومستمر، ولذا فإنّ الإنسان أفضل وأكبرما يكون رصيده عند الولادة .

والخطوة الثانية في نجاح المحاسبة أن تكون لنا إرادة وتصميم ومجاهدة مستمرة للنفس تدفعنا نحو الأفضل، وتحركنا باتجاه الندم على ما مضى والتطلُّع نحو المستقبل.

البرنامج الأمثل

ما هو البرنامج الأمثل لاستثمار الوقت؟

علينا بادئ ذي بدء أن نسعى لنبقى في حالة تصاعد وتقدّم نحو الأفضل، سواءً على الصعيد العلمي، أو الأخلاقي أو الروحي أو الاجتماعي... ومن الخطأ الفادح أن تتساوى أيّامنا، فإنّ "مَن تساوى يوماه فهو مغبون"، وهناك ما هو أسوأ من تساوي اليومين، ألا وهو أن يكون غدنا أسوأ من يومنا، ومستقبلنا أسوأ من حاضرنا، أي أن نكون في حالة تراجع وتردي روحي أو علمي وأخلاقي، "مَن كان غده شرّ يوميه فهو محروم" ومن كان في نقص فالموت خير له.

 إذا وضعنا هذه القاعدة في حسباننا فاعتقد أنّ البرنامج الأمثل الذي يمكن اعتماده في سبيل الحفاظ على وتيرة من العمل المرضي لله تعالى هو ما قدّمه لنا الإمام زين العابدين (ع) في دعائه: "اللّهُمّ صل على محمّد وآل محمّد ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيّامنا لاستعمال الخير وهجران الشرّ وشكر النِّعم واتباع السنّن ومجانبة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة الإسلام وانتقاص الباطل وإذلاله ونصرة الحقّ وإعزازه وإرشاد الضال ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف". إنّ كلّ فقرة من فقرات هذا الدُّعاء تمثِّل خطوة في برنامج إدارة الوقت.

قداسة شهر رمضان

لكن من أين تنشأ قداسة شهر رمضان، إذا كانت الأيّام والشهور سيان؟

إنّ القداسة هي لله أوّلاً بالذات وهو الذي يعطي القداسة لغيره لقربه منه إنساناً أو مكاناً أو زماناً، فالنبيّ ميزته أنّه عبد الله والمسجد بيت الله فانتسابه إلى الله إعطاه القداسة والزمان كذلك فهو يعطي اليوم أو الزمن قداسة بعينه "وذكِّرهم بأيّام الله".

ولكن أليست كلّ الأيّام هي أيّام الله؟ والأيّام بالنسبة إليه سيان؟

الجواب: نعم، لكنّ الله يختار بعضها تفضيلاً ويخبره بحدث كبير لتهتم الناس بهذا اليوم وتخرج عن الرتابة لأنّهم أمام يوم يظهر الله من نفحاته فهو يمتاز عن غيره بأنّ ألطاف الله فيه عجيبة وعظيمة أكثر من سائر الأيّام وإلّا فألطافه لا تنقطع أبداً على مرور الزمن، ويمكننا أن ندعوه في كلّ يوم وهو لا ينقطع عنّا ولا يحتجب عنا في أي لحظة من لحظات الليل والنهار ولكنّه ولمزيد من المحبّة بنا واللطف بنا جعل بعض الليالي (ليلة القدر) أو الأيّام (يوم الجمعة) أو الشهور (شهر رمضان) ظرفاً لنزول أفواج من رحمانيته على العباد... "فعظمت رمضان بما أنزل فيه من القرآن وخصصته بليلة القدر وجعلتها خيراً من ألف شهر".►

ارسال التعليق

Top