• ١٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رمضان شهر الإنتصارات الإسلامية

علي تني العجمي

رمضان شهر الإنتصارات الإسلامية

◄يحتل شهر رمضان المبارك قدسية خاصة بين المسلمين لما له من روحانية تزيد اتصال المسلم بربه، وهذه القدسية تنبع من مكانة هذا الشهر التي عظمها الإسلام، ففيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، وفيه أنزل الله القرآن، وإذا نظرنا إلى جانب آخر نجد أن كثيراً من الإنتصارات الإسلامية الحاسمة كانت في رمضان فغزوة بدر التي كانت أوّل مواجهة مباشرة وفاصلة بين المسلمين والمشركين حدثت في رمضان، وفيها قتل صناديد قريش، وكذلك فتح مكة حدث في رمضان، في السنة الثامنة من الهجرة، وبذلك انتهت الوثنية إلى الأبد من شبه الجزيرة العربية، وتم تحطيم ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، وكذلك معركة شقحب ومعركة حطين وغيرها.

والآن نبدأ في معركة بدر لأنها حدثت في السنة الثانية من الهجرة وسنقتصر عليها وعلى فتح مكة لأنهما من أوائل المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام ولحدوثهما في زمن النبي (ص) مستلهمين منهما الدروس والعظات التي نسأل الله أن تكون نبراساً هادياً لنا على الطريق ونحن نعيش أجواء رمضان.

 

-       غزوة بدر: مقدمة المعركة

لقد خرج المسلمون من مكة لا يلوون على شيء إلا الفرار بدينهم من أذى واضطهاد قريش، فكانت المدينة هي الملاذ الآمن لهم عن إخوانهم الأنصار، وكانوا يتحرقون شوقاً للقاء قريش في لقاء متكافئ وفي ظرف مناسب يمكنهم من القصاص ممن آذوهم وشردوهم، غير أنّ الله عزّ وجلّ كان له تقدير آخر، كما قال تعالى: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا) (الأنفال/ 42)، فكانت في السنة الأولى من الهجرة بعض السرايا التي كان يبعثها النبي (ص) للإغارة على قوافل قريش التجارية الذاهبة من وإلى الشام، حتى اضطر القرشيون إلى سلوك طريق البحر من ناحية تهامة، مما يؤكد تنامي قوة المسلمين وشوقهم إلى لقاء قريش في معركة حاسمة، ومن هذه السرايا كانت هناك سرية يقودها النبي (ص) تعترض قافلة لقريش يقودها أبو سفيان بن حرب وقد خرج المسلمون بدون استعداد لأنهم كانوا يريدون الاستيلاء على القافلة ليتقووا بها وليعوضوا بعضاً مما تركوه في مكة من متاعهم وأموالهم، فدعا النبي (ص) أصحابه للخروج، فمنهم من ثقل ومنهم من خفّ، وذلك لأنهم لم يكونوا يعتقدون أنّه سيحدث قتال، وعندما علم أبو سفيان بخروج المسلمين بعث ضمضم بن عمرو الغفاري يستنفر قريشاً للخروج، فأوعبت قريش كلها ما بين خارج أو باعث أحداً مكانه، إلا ما كان من أبي لهب، فإنّه بعث مكانه رجلاً لرؤيا رأتها عاتكة بنت عبدالطلب، حيث رأت قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال رؤيا قصتها على أخيها العباس فقالت: يا أخي لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وتخوفت أن يدخل على قومك شر ومصيبة فقال لها: وما رأيت؟ قالت: رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثمّ صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، فرأى الناس قد اجتمعوا إليه ثمّ دخل المسجد والناس ينعونه، فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثمّ صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث، ثمّ مثل به بعيره على رأس جبل أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفصت "تفتت" فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة فقال لها العباس: والله إنّ هذه لرؤيا فاكتميها ولا تذكريها لأحد واستكتمته إياها إلا أنّه قصها على صديقه الوليد بن عتبة واستكتمته إياها فذكرها الوليد لأبيه ففشت حتى بلغت أبا جهل فرأى العباس يطوف بالبيت فناداه: يا أبا الفضل إذا فرغت فأقبل إلينا فما جاءه قال له: يا بني عبدالمطلب متى حدثت فيكم هذه النبيّة؟ فقال العباس: وما رأت؟ قال: يا بني عبدالمطلب أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ لقد زعمت عاتكة في رؤياها أنّه قال: انفروا في ثلاث فسنتربص هذه الثلاثة فإن يك حقاً ما تقول فسيكون وإن تمضي الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب (الرحيق المختوم/ 212).

فلما كان بعد ثلاث وصل ضمضم الغفاري وقد شق قميصه وحوّل رحله وجدع بعيره وهو يصرخ: اللطيمة اللطيمة، فأوعبت قريش في الخروج.

 

-       حال المسلمين:

أما المسلمون فإنّ النبي (ص) وقف يستشير أصحابه فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر فقال وأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله بن فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا) (المائدة/24) ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد "موضع في أقصى اليمن" لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله (ص) خيراً ودعا له به ثمّ قال: "أشيروا عليّ أيها الناس"، فوقف سعد بن معاذ وقال: والله لكأنك تعنينا يا رسول الله، قال: أجل، فقال سعد: "فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا فامض يا رسول الله لما أردت ونحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا أحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبرٌ في الحرب صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله (ص) لقول سعد ونشطه فقال: "سيروا وأبشروا فإنّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم" (المصدر السابق 213، 214).

وكان النبي (ص) قد حرص على أخذ رأي الأنصار لأنهم قد اشترطوا عليه في بيعة العقبة أن ينصروه ما دام في ديارهم، فلما سمع كلام سعد اطمأن واستبشر أكثر لأنّ الأنصار كانوا يشكلون حوالي ثلثي الجيش.

 

-       النبي (ص) يعبئ أصحابه يهيئهم:

بدأ النبي (ص) يهيئ أصحابه للقاء الحاسم مع المشركين وقد كان النبي (ص) أكثرهم تحرقاً لهذا اللقاء لما يرى من فاقة أصحابه وحاجتهم، ولذلك هيأهم نفسياً بقوله عند سماع نبأ القافلة: "هذه أموال قريش فاخرجوا لعل الله ينفلكموها" ولم يعزم عليهم النبي (ص) وقد خرجت قريش ما بين التسعمائة والألف ونزلوا بالعدوة القصوى من وادي بدر بينما نزل المسلمون بالعدوة الدنيا وبعث النبي (ص) الزبير بن العوام في جماعة من أصحابه يرتادون ويستكشفون فأخذوا عبداً وجدوه يسقي لقريش حتى أتوا به النبي (ص) وهو قائم يصلي فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه والنبي (ص) يصلي يركع ويسجد يرى ويسمع ما يُصنع بالعبد فطفقوا إذا ذكر لهم أنها قريش جاءتهم ضربوه وكذبوه وقالوا إنما تكتمنا أبا سفيان وأصحابه فجعل العبد إذا أذلقوه بالضرب وسألوه عن أبي سفيان وأصحابه وليس له بهم علم – إنما هو من روايا قريش – قال: نعم هذا أبو سفيان والركب حينئذ أسفل منهم فطفقوا إذا قال لهم العبد: هذه قريش قد أتتكم ضربوه وإذا قال لهم: هذا أبو سفيان تركوه، فلما رأى صنيعهم النبي (ص) انصرف من صلاته، وقد سمع الذي أخبرهم فزعموا أن رسول الله (ص) قال: والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدق وتتركونه إذا كذب! قالوا: فإنّه يحدثنا أن قريشاً قد جاءت قال: فإنّه قد صدق قد خرجت قريش تجير ركابها، فدعا الغلام فسأله فأخبره بقريش وقال: لا علم لي بأبي سفيان فسأله: كم القوم؟ فقال: لا أدري والله هم كثير عددهم، قال الطبري، فزعموا أنّ النبي (ص) قال: فمن أطعمهم أول أمس؟ فسمى رجلاً أطعمهم، فقال: كم جزائر نحر لهم؟ قال: تسع جزائر، قال: فمن أطعمهم أمس؟ فسمى رجلاً، فقال: كم نحر لهم؟ قال: عشر جزائر، فزعموا أنّ النبي (ص) قال: القوم ما بين التسعمائة إلى الألف، فكان نفرة قريش يومئذ خمسين وتسعمائة "تاريخ الطبري/ ج2/21"، وقد كان المسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، ثمّ إنّ النبي (ص) طفق يدعو ربه "اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض".

 

-       بدء القتال:

بدأ القتال بطلب المبارزة من قريش فبرز عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار ستة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء ولكن يبارزنا من بني عمنا من بني عبدالمطلب، فقال النبي (ص) يا علي قم، يا حمزة ثم، يا عبيدة بن الحارث قم، فقتل الله شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وجرح عبيدة بن الحايث فقتلنا منهم سبعين وأسرنا منهم سبعين (الطبري ج2/22).

وبدأت المعركة فرمى المشركون مهجعاً مولى عمر بن الخطاب بسهم فكان أول قتيل من المسلمين، ثمّ رمى حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من ماء الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل، وهو الذي جاءت أمه رسول الله (ص) لمّا عاد إلى المدينة وقالت: يا رسول الله أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإلا فليرين الله ما أصنع – تريد من البكاء والنياحة عليه – فقال لها رسول الله (ص): "ويحك أهبلت إنها جنان ثمان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى". (هذا الحبيب يا محب/ أبو بكر الجزائري – 213).

ولقد انتهت المعركة بنصر حاسم للمسلمين وقتل من صناديد قريش سبعون رجلاً وأسر مثلهم، وكان من بين القتلى أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة وولده الوليد بن عتبة وشيبة بن عتبة، وحنظلة بن أبي سفيان وعقبة بن أبي معيط وأبو البختري وعبيدة ابن سعيد بن العاص ونوفل بن خويلد والنضر ابن الحارث بن كلدة والعاص بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابني الحجاج وأسر منهم العباس ابن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابن عبدالمطلب وعمرو بن أبي سفيان وأبو العاص ابن الربيع زوج زينب بنت النبي (ص) وأبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير وسهيل بن عمرو ثمّ أمر بالقتلى فألقوا في القليب عند بدر وبعث النبي (ص) بالبشير عبدالله بن رواحة إلى أهل العالية وزيد ابن حارثة إلى أهل السافلة.

وبذلك انتهت أول معركة حاسمة بين المشركين والمسلمين بنصر المسلمين وفي ذلك يقول حسان بن ثابت (رض):

فدعْ عنك التذكر كل يومٍ **** وردَّ حرارة الصدر الكئيبِ

وخبِّر بالذي لا عيبَ فيه **** بصدق غير أخبار الكذوبِ

يناديهم رسول الله لمَّا **** قذفناهم كباكبَ في القليبِ

فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا: **** صدقت وكنت ذا رأي مصيب►

 

المصدر: (مجلة المجتمع/ العدد 1236 لسنة 1997م)

ارسال التعليق

Top